ويقوم بين أيديهم؛ وذلك هو الإكرام الذي صاروا به مكرمين.
ويحتمل أن سماهم: مكرمين؛ لأنهم كانوا أهل كرم وشرف عند اللَّه تعالى، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25).
وقال في آية أخرى (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ).
ذكر هاهنا سلام الملائكة - عليهم السلام - ولم يذكر سلام إبراهيم صلوات اللَّه عليه إنما ذكر وجله منهم، وذكر في الأول سلام الملائكة عليهم السلام وسلام إبراهيم - عليه السلام - وذكر أنهم قوم منكرون، وقال في آية أخرى: (فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنما أوجس منهم الخيفة؛ لما خشي أن يكونوا سراقا لأنه كان بين إبراهيم - عليه السلام - وبين الذي انتابوا منه بصرف بعيد ما يحتاج المنتاب إلى طعام، فإذا امتنعوا عنه خاف أن يكونوا سراقا؛ إذ لا يمتنع عن التناول إلا السراق.
لكن هذا ليس بشيء؛ لأنه قد كان منهم السلام، والسلام أحد علامات الأمان لكن يكون خوفه بعدما عرف أنهم ملائكة؛ لما علم أن الملائكة - عليهم السلام - لا ينزلون إلا لأمر عظيم لإهلاك قوم أو لتعذيب أمة، كقوله تعالى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ)، وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ)، هذا يحتمل، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) جائز أن يكون هذا إخبارًا من اللَّه تعالى أنهم قوم منكرون؛ أي: غير معروفين عندنا، لم نعرفهم، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26).
قيل: راغ: مال.
لكن قوله: (فَرَاغَ) أي: مال إلى أهله على خفاء من أضيافه وسر منهم؛ ولذلك سمي الطريق المختفي: رائغًا، وهو من روغان الثعلب.
وقيل: زائغًا بالزاي.
وقيل: راغ، أي: رجع.
وذكر مُحَمَّد في بعض كتبه: " في زائغة مستطيلة "، وقيل: رائغة، واللَّه أعلم.