جنات وعيون، وهم يكونون في جنات، ويكونون في العيون بحيث يرونها، وتقع عليها أبصارهم، وينتفعون بها؟ وهو كقوله تعالى: (يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ)، وإنما هم يلبسون السندس، فأما الإستبرق فهو البسط، وغير ذلك من الانتفاع به؛ فعلى ذلك ما ذكر من كون المتقين في جنات وعيون، يكونون في الجنة، وينتفعون بالعيون، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ)، أي: الذين اتقوا الشرك والكفر.
ويحتمل: الذين اتقوا مخالفة اللَّه على الإطلاق: عملا، وقولا، وفعلا، واعتقادا.
ويحتمل: أي: الذين اتقوا المهالك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: قابلين ما آتاهم ربهم في الدنيا من القدرة والقوة والمال بحق اللَّه تعالى، والقيام بشكره، والعبادة له، والاستعمال في طاعته؛ لذلك قال: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) أي: قبلوا ذلك بحق الإحسان، فاستعملوها في حق اللَّه تعالى والقيام بطاعته.
وعلى هذا التأويل كأنه على التقديم والتأخير: إن المتقين في جنات وعيون؛ إنهم كانوا قبل ذلك محسنين، آخذين ما آتاهم ربهم، أي: إنما نالوا الجنة؛ لما أنهم كانوا في الدنيا كذلك.
والثاني: ما قاله أهل التأويل: آخذين ما آتاهم ربهم في الآخرة، أي: راضين بما أعطاهم اللَّه من النعيم في الجنة، وهو كقوله تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)، وعلى هذا يخرج تأويلهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) في الدنيا.
ثم نعت إحسانهم فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18).
قال أهل التأويل جميعا: أي: يصلون.
وإنَّمَا حملوه عليها؛ لأن الاستغفار طلب المغفرة، وذلك مرة بالصلاة، ومرة باللسان، ومرة بدفع المال.
ويحتمل حقيقة الاستغفار أيضا، وإنما مدحهم بذلك؛ لأن أرجى وقت الاستغفار وقت السحر؛ لما روي عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - أنه قال لنافع: " إذا كان وقت السحر