وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ)، أي: طافوا، وتباعدوا، (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) أي: هل يجدون من الموت محيصا؟ أي: مفرًّا.
ويحتمل: أي: تقلبوا في البلاد في تجاراتهم، فلا يجدودن ملجأ يرد به هلاكهم.
يوعد بما ذكر أهل مكة أنهم لم يجدوا محيصا فكيف تجدون أنتم؟!
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) يحتمل وجوها:
أحدها: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى) أي: عظة ممن كان له قلب.
والثاني: فيما ذكر من إهلاك الأمم الخالية، وذهاب آثارهم بتكذيبهم الرسل لذكرى لمن ذكر.
والثالث: أي: فيما ذكروا من استواء المحسن والمفسد في هذه الدنيا، والصالح والطالح - لذكرى لمن كان له قلب أن هنالك دارا يميز فيها بينهما.
وقوله: (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ)، أي: عقل وفهم.
أو لمن كان له قلب ينتفع به في التأمل والنظر.
وإنما كنى بالقلب عن العقل؛ لأن الناس اختلفوا:
بعضهم قالوا: إن القلب محل العقل.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: محله الرأس، لكن نوره يصل إلى القلب؛ فيبصر القلب الأشياء الغائبة بواسطة العقل؛ فلذلك كنى بالقلب عن العقل؛ لمجاورة بينهما، وهو سائغ في اللغة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، أي: يستمع وهو شاهد سمعه وقلبه، وأصله: أن القلب جعل للوعي والحفظ بعد الإدراك، والإصابة.
ثم أصل ما يقع به العلم والفهم شيئان:
الأول: التأمل والنظر في المحسوس.
والثاني: أن يلقى إليه الخبر وهو يستمع له، فكأنه يقول - واللَّه أعلم -: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب يطلب الرشد والصواب، وينظر، ويعي، ويحفظ.
أو (أَلْقَى السَّمْعَ)، أي: يستمع بما ألقي إليه وهو شاهد السمع والقلب؛ فتكون الذكرى لمن اختص بهذين، أو ينتفع به هذان الصنفان بالتأمل، فيرى بالعقل محاسن الأشياء ومساوئها.
أو يستمع حقيقة ذلك بالسمع، فيتذكر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) ذكرنا فيما تقدم تأويل خلق السماوات والأرض في ستة أيام.