فأما أهل التوحيد فإنهم كانوا يقرون بالجنة، ولكن لا يرون أنفسهم من أهلها لما بدا منهم من الخطايا والزلات، ويرونها بعيدة من أنفسهم، فذكر اللَّه - تعالى - التقريب لهم، ووعدهم بذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ بَعِيدٍ) أي: غير بعيد منهم، بل بحيث يرونها وقت وقوفهم في القيامة، واللَّه أعلم.
والثاني: أي: على بعد منهم في الدنيا؛ أي: يأتونها ويكونون من أهلها عن قريب؛ لأن كل آت فكأن قد أتى، واللَّه أعلم.
ويحتمل: أي: غير بعيد منهم في الجنة إذا دخلوها من الثمار والفواكه؛ بل قريب منهم، يتناولون كيف شاءوا واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) الأواب الرجاع، من الأوبة، وهي الرجوع؛ فمعناه: لكل رجَّاع إلى اللَّه - تعالى - في كل وقت، أو رجَّاع إلى أمره وطاعته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَفِيظٍ) أي: يحفظ نفسه عن المعاصي والزلات سرًّا وعلانية والحافظ لحدوده في أوامره ونواهيه، وهو كقوله - تعالى -: (لِلْمُتَّقِينَ)، (لِلْمُحْسِنِينَ)، إذ التقوى هي الائتمار بما أمر والامتناع عما نهى وحظر، والإحسان هو العمل بجميع ما يحسن في العقول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ... (33) أي: خاف وحذر بما أوعد.
ثم يخرج على وجهين:
أحدهما: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ) أي: قبل أن يرد على ظاهر ما ذكر.
والثاني: أي: من خشي الرحمن في الدنيا التي هي حال غيب الدلائل بالمواعيد التي أوعدها وحذر منها قبل أن يعاينها؛ إذ هو لم يرد ذلك العذاب فيصدقه فيما أوعد وخافه وهو كقوله - تعالى - (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)، أي: عقوبته ونقمته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) المنيب: هو المقبل على اللَّه تعالى بجميع أوامره ونواهيه، المطيع له في ذلك كله.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) كأنه على الإضمار، أي: يقال لهم: ادخلوها بسلام الملائكة: أي: تسلم الملائكة عليهم وقت دخولهم الجنة؛ كقوله: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).
والثاني: السلام: هو اسم من أسماء اللَّه تعالى فيقال لهم: ادخلوها باسم اللَّه تعالى