ساعات، فإن استغفر اللَّه - تعالى - لم يكتبها عليه، وإن لم يستغفر كتبها سيئة واحدة ".
ويجوز أن يكون أحدهما كاتبًا دون الآخر، وإن كانا يتلقيان ويأخذان منه ذلك؛ لما ذكر في آية أخرى؛ حيث قال: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ)، ولم يقرأ: قال قريناه.
ويجوز أن يكون المتلقيان جميعًا يكتبان؛ على ما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - أنه قال: كاتبان: كاتب عن يمينه، وكاتب عن يساره، فيكتبان الحسنات والسيئات، ثم يرفعان إلى من فوقهما كل اثنين وخميس، فيثبتون من ذلك من ثواب أو عقاب، ويلقون ما سوى ذلك.
وروي - أيضًا - عنه وعن غيره من أهل التأويل أنهما يكتبان ما كان من خير وشرّ، وما سوى ذلك فلا.
ولكن ظاهر الكتاب يدل على أنه يكتب كل شيء، وهو قوله - تعالى -: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) إلا أن يقال: المراد هو قول هو سبب الثواب والمأثم، كما قال في آية أخرى: (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)، أي: لا يغادر صغيرة من المأثم ولا كبيرة منها، لا مطلق صغائر الأشياء وكبائرها، فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.
ثم جعل المتلقيين اثنين يحتمل على ما جعل في الشهادة اثنين فيما بينهم في الأحكام والحقوق يشهدان عليه في الآخرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18).
في ظاهر الآية أن الملائكة إنما يكتبون ظاهر الأقوال والأفعال، لا ما في الضمائر، لكنه غير مستنكر في العقول أن يكون اللَّه - تعالى - أقدرهم على العلم بما في ضمائرهم، فيعرفون ذلك ويكتبونه، ولكن ظاهر الآية يشير إلى ما قلنا، واللَّه أعلم. ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) قَالَ الْقُتَبِيُّ: أراد (قَعِيدٌ) من كل جانب منهما، إلا أنه اكتفى بذكر الواحد إذا كان دليلا على الآخر، و (قَعِيدٌ) بمعنى قاعد؛ كما يقال: قدير وقادر، أو يكون بمنزلة أكيل وشريب، أي: مؤاكل ومشارب، (قَعِيدٌ)؛