وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَرِيجٍ) قَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ: (فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي: مختلط؛ يقال: مرج أمر الناس، ومرج الدِّين، وأصل المرج أن يقلق الشيء فلا يستقر، يقال: مرج الخاتم في يدي مرجًا: إذا قلق للهزال؛ أي: تحرك.
وقيل: مضطرب مختلف؛ وهكذا كان قولهم مختلفًا مضطربًا مختلطًا في القرآن والرسول جميعًا؛ قالوا في الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أقوالا مضطربة مختلفة: مرة نسبوه إلى السحر، ومرة إلى الشعر، ومرة إلى الجنون، ومرة إلى الافتراء على اللَّه - تعالى - وأنه يتلقاه من فلان، ونحو ذلك من أقوال مختلفة مضطربة فيما يدفع كل واحد من ذلك الآخر، وكذلك قالوا في القرآن مرة: إنه سحر، ومرة إنه شعر؛ وإنه من أساطير الأولين، وإنه مفترى، وإنه اختلاق، وكل ذلك مما يدفع بعضه بعضا، وهذا هو الاضطراب والاختلاف والاختلاط، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي: في ضلال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6).
يحتمل أن تكون هذه الآيات صلة ما ذكر من عجبهم من بعث الرسل من البشر، والبعث بعد الموت بقوله: (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) كأنه يقول: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها مرتفعة، ملتصقة بعضها ببعض، منضدة بلا فروج ولا عماد مع صلابتها وكثافتها وغلظها، وألم ينظروا إلى الأرض كيف بسطناها وألقينا فيها الجبال الرواسي أوتادًا؛ لئلا تميد بأهلها، حتى عرفوا أن من قدر على رفع السماء بلا عمد مع ارتفاعها وغلظها وصلابتها حتى لا ينتهي أحد إلى طرف من أطرافها، ولا علم نهايتها، وجعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض مع بُعد ما بينهما - لقادر على الإحياء بعد الموت، وأنه لا يعجزه شيء، وأن من فعل هذا لا يفعله عبثًا باطلا، ولكن يفعله عن حكمة وتدبير، ولو كان على ما قالوا أن لا بعث ولا جزاء كان خلق ذلك عبثًا باطلا، ويكون فعل ذلك فعل سفه، لا فعل حكمة، فلما كان فعل ذلك كله على التدبير الذي ذكر، وعلى الاتساق الذي جرى حكمه إن شاء ذلك من غير تفاوت - دل أنه لم ينشئ الخلق من المكلفين ليتركهم سدى، لا يأمر، ولا ينهى، ولا يمتحن، فيكون عبثًا؛ بل ليمتحنهم بالأمر والنهي؛ ليكون فعله في العقلاء على نهج الحكمة كما في غيرهم من