وإما أن تركوا ذلك لما كان ذلك من السرائر التي لم يطلع اللَّه - تعالى - الخلق على ذلك، وهو المتشابه الذي يجب الإيمان به، ولا يطلب له تفسير، وكأن ذلك مما اختص الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بمعرفته؛ لقوله - تعالى -: (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)، فلم يسألوا منه بيان ذلك.
وإما أن كان ذلك عندهم أسماء السور لتعريف السور، وأسماء الأعلام لا يطلب فيها المعاني؛ لذلك لم يسألوا معانيها، ولم يرد التعليم من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كما أن أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - تركوا سؤال التفسير للآيات إما لأن في وسعهم الوصول إلى معرفة ما تضمنته الآيات، وعرفوا المراد منها باللسان، وعرفوا مواقع النوازل، ففهموا المواد، فلم يحتاجوا إلى السؤال.
وإما أن تركوا لما أنها تضمنت أحكامًا عرفوها، فتركوا السؤال؛ فعلى ذلك هذا، والله أعلم.
ثم ذكر القسم ولم يبين موضع القسم، واختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: موضع القسم في آخر السورة: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ. . .) الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. . .) الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: موضع القسم قوله - تعالى - (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أقسم بقوله: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) بأن الكفرة في أمر مريج.
ويحتمل أن يكون موضع القسم هو ما عجبوا؛ كما قال: (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ. أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) ذكر - هاهنا - عجبهم من شيئين:
أحدهما: ما ذكر (أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي: من البشر (فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) وهو كقولهم: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا)، وقولهم: (مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا)، لا يزالون ينكرون الرسالة في البشر.
والثاني: من الإحياء بعد الموت؛ لقولهم (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) وقد ذكرنا في غير آي من القرآن عجبهم وإنكارهم البعث بعد الموت، فجائز أن يكون موضع القسم ما عجبوا أو أنكروا أن يكون من البشر رسول أو يحيون بعد الموت، أقسم بما ذكر من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) أنه يكون ذلك ردًّا لإنكارهم وتعجبهم، والله أعلم.