سُورَةُ الْحُجُرَاتِ ذكر أنها مدنية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: إن أبا بكر وعمر - رضي اللَّه عنهما - اختلفا في شيء بحضرة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فارتفعت أصواتهما، فنزل قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. . .) إلى آخر ما ذكر من قوله: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ).
وذكر عن الحسن في قوله - تعالى -: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي: لا تذبحوا قبل ذبح النبي يوم النحر، وذلك أن ناسًا من المسلمين ذبحوا قبل صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر.
وقال قتادة: ذكر لنا أن رجالا كانوا يقولون: لو أنزل كذا وكذا، أو صنع كذا وكذا، فنزلت هذه الآية، وأمرهم ألا يسبقوا نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بقول ولا عمل حتى يبين اللَّه - تعالى - بيانه، وأمثال ذلك قد قالوا، واللَّه أعلم.
وأصل ذلك عندنا من قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. . .) الآية، أي: يَا أَيُّهَا الذين آمنوا اعلموا أن لله الخلق والأمر، لا تقدموا أمرًا، ولا قولا، ولا فعلا، ولا حكمًا ولا نهيًا سوى ما أمر اللَّه - تعالى - به ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وغير ما نهى عنه؛ بل اتبعوا أمره ونهيه، وراقبوه على ما آمنتم به وأقررتم بأن له الخلق والأمر، فاحفظوا أمره ونهيه، ولا تخالفوه ولا رسوله في شيء من الأمر والنهي، فهذا يدخل فيه كل شيء وكل أمر من القول، والفعل، والقضاء والحكم، والذبح، وغير ذلك؛ على ما ذكرنا من إيمانهم بأن له الخلق والأمر في الخلق؛ إذ مثل هذا الخطاب لو كان لواحد خاص لكان حكمه يلزم