وعن عبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه عنهما - قال: ما كنا معشر أصحاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نرى شيئًا يبطل أعمالنا حتى نزلت هذه الآية، فعلمنا ما الذي يبطل أعمالنا؟! الكبائر الموجبات والفواحش، فكنا على ذلك حتى أنزل اللَّه تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ. .) الآية، فلما نزلت هذه الآية كففنا عن هذا القول.
وجائز أن يكون قوله - تعالى -: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) قال: هذا ليكونوا أبدًا على اليقظة والحذر؛ لئلا تبطل أعمالهم من حيث لا يشعرون؛ كقوله: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ).
وفي حرف أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (ولا تبطلوا إيمانكم).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) تأويلها ظاهر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) أي: لا تضعفوا وتدعوا إلى الصلح، كذلك قَالَ الْقُتَبِيُّ.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: السِّلم -بكسر السين-: الصلح، ولا أعرف بفتح السين هاهنا له معنى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي: وأنتم الغالبون.
فيه النهي عن الدعاء إلى الصلح إذا كانوا هم الأعلون؛ أعني: أهل الإسلام.
ثم قوله - تعالى -: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) يحتمل وجوهًا:
يحتمل: الأعلون بالحجج والبراهين في كل وقت.
ويحتمل: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) بالقهر والغلبة في العاقبة؛ أي: آخر الأمر لكم.
ويحتمل (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) في الدنيا والآخرة؛ لأنهم وإن غلبوا في الدنيا وقتلوا كانت لهم الآخرة، وإن ظفروا بهم كانت لهم الدنيا والأموال.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي: وأنتم أولى باللَّه منهم، وهو ما ذكرنا في الآخرة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) في النصر والغلبة.