اختلف في تأويل هذه الآية:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) أي: فلعلكم (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي: وليتم أمر هذه الأمة (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
قد كان هذا، وهم بنو أمية، ولوا أمر هذه الأمة ففعلوا ما ذكر من الفساد في الأرض وقطع الأرحام، وكان لهم اتصال برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وكان منهم ما ذكر، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن الآية في المنافقين؛ كانوا يأتون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويسمعون منه ما قال، ثم إذا تولوا عنه كانوا يسعون في الأرض بالفساد وما ذكر؛ كقوله - تعالى -: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. . .) إلى قوله: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ. . .) إلى قوله: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ما أراه إلا نزلت الآية في الحرورية، وهم الخوارج.
وجائز أن يكون هذا ما ذكر في آية أخرى؛ حيث قال: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)، وقد انقلبوا، على ما أخبر، وهو في أهل الردة، والله أعلم.
وقال قتادة: (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)، أي: طواعية اللَّه ورسوله، وقول المعروف عند حقائق الأمور خير لهم، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) يقول: إن توليتم عن كتابي وطاعتي (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) يقول: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب اللَّه، ألم يسفكوا الدماء الحرام، وقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن، وأكلوا المال الحرام؟!
ويحتمل أن تكون الآية في الذين آمنوا برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) اللعن: هو الطرد عن الرحمة، وهو كقوله لإبليس: (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)، أي: أنت مطرود عن رحمتي، وقوله - تعالى -: (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي: طردهم عن رحمته.