من تلك النار والمأوى الذي جعل لهم، ولا يقدر دفع ذلك عنهم، واللَّه أعلم.
ثم أخبر أن بعض ذلك الذي أصابهم ونزل بهم إنما كان بما ذكر من اتخاذهم آيات الله هزوا في الدنيا، هزوا بها وسُخرًا بالرسل، عليهم السلام.
ثم آيات اللَّه يحتمل ما ذكرنا من آيات وحدانيته وألوهيته، أو آيات قدرته وسلطانه على البعث، أو آيات رسالة الرسول، عليه السلام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ... (35) قد ذكرنا فيما تقدم معنى نسبة التغرير إلى الحياة الدنيا، وإضافته إليها وإن لم يكن منها على التحقيق تغرير وخداع، وهو أنهم إنما اغتروا بها، فنسب فعل التغرير إليها، هي غرتهم، وقد ينسب الفعل إلى السبب الذي به صار ذلك، وإن لم يكن منه حقيقة ذلك؛ نحو قوله - تعالى -: (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)، أي: يبصر به، وذلك كثير في اللغة.
أو يقال: إن ما كان منها، لو كان ذلك ممن يحتمل التغرير ويملك ذلك كان تغريرًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) اختلف في قوله: (وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ): قَالَ بَعْضُهُمْ: إنهم يعاتبون إلى أن يدخلو! النار: إنكم فعلتم كذا، وتركتم كذا، ولم فعلتم كذا؟ فإذا دخلوا النار يترك العتاب ويجعل كالشيء المنسي فيها، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي: لا يسترجعون إلى ما يطلبون من العود والرجوع إلى العمل الصالح؛ لقولهم: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ. . .) الآية.
ثم في قوله: (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)، وقوله: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا. . .) الآية، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ) - دلالة ألا يجب أن يفهم على ظاهر ما خرج الخطاب؛ لأنه ذكر الظن في المؤمنين، والمراد به: الإيقان، لا ظاهر الظن، وذكر في الكافرين الظن وأريد به الحقيقة، ولا يجوز أن يفهم من الظن في الفريقين معنى واحد، بل يفهم من هذا غير الذي فهم من الآخر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) إن جميع ما ذكر في القرآن من الحمد له فإنما ذكر لأحد شيئين:
أحدهما: بما يستحق من الثناء بتعاليه عن جميع معاني الخلق وأوصافهم.