و (مَقَامٍ) بالنصب:
فمن قرأ بالنصب فهو موضع المقام، وهو المنزل والمسكن؛ معناه: في مسكن أمين؛ أي: آمنوا فيها من الآفات والأوصاب والأسقام.
ومن قرأ برفع الميم فهو المصدر؛ يعني: الإقامة؛ أي: يقيمون فيها، آمنين عن الخروج عنها والزوال، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)، قالوا: السندس: ما رق من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه.
ثم يحتمل أن يكون ما ذكر من اللبس لما رق منه، فأما ما غلظ منه فإنه يبسط، وإن كان ذكر اللبس فيهما -في الظاهر- يتناول ما رق منه وما غلظ، فالمراد من ذكر اللبس يرجع إلى ما يلبس، وهو الذي يرق منه ويدق.
وجائز في اللغة أن يذكر الشيئان باسم أحدهما إذا كان بينهما ازدواج في الجملة عادة أو حقيقة، واللَّه أعلم.
ويحتمل أنه إنما ذكرهما جميعًا؛ لما يكون من رغبة الناس إليهما جميعًا في الدنيا، فرغبهم في الآخرة، ووعد لهم أن يكون لهم ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُتَقَابِلِينَ) يخبر أن مجلسهم في الجنة نحو مجلسهم في الدنيا مقابل بعضهم بعضا، حيث قال: (كَذَلِكَ ... (54) على إثر ذلك، يكونون في الجنة كما كانوا في الدنيا من مقابلة بعض بعضًا، واجتماعهم في المجلس في الشراب وغيره، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (بِحُورٍ) أي: ببيض الوجوه، و (عِينٍ)، أي: حسان الأعين.
وقال بعض أهل الأدب: الحور في العين هو شدة سواد سوادها وبياض بياضها، ويقال: امرأة حوراء، ونسوة حور، ورجل أحور، وقوم حور، والعيناء: الحسنة العينين؛ يقال رجل أعين، ورجال عين، وامرأة عيناء، ونسوة عين، فالجماعة على هيئة واحدة في هذا الباب في المذكر والمؤنث، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55).
تأويله - واللَّه أعلم - أي: ثمار الجنة وفواكهها، ليس لها فساد ولا انقطاع، ولا