ويحتمل - أيضًا - ما ذكرنا من الفصل بين الأولياء والأعداء ما لو لم يكن ذلك في الآخرة بينهم وإن جامعًا مسويًا بين الأولياء والأعداء، وهم استووا واجتمعوا في الدنيا في ظاهر أحوالهم، ومن سوى بين وليه وعدوه، كان سفيهًا غير حكيم - دل أن هنالك دارًا أخرى يفصل بينهما، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) هذا في الكفار خاصة يخبر أنه لا ولي ينفعهم في الآخرة، ولا يعين بعضهم بعضًا على ما يعان في الدنيا إذا نزل ببعض منهم بلاء وشدة، وهو ما ذكر في آية أخرى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. . .) الآية، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَاخْشَوْا يَوْمًا. . .) الآية، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)، واللَّه الموفق.
ثم قوله - تعالى -: (لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) يحتمل مولى الأعلى ومولى الأسفل، على ما يعين بعضهم بعضا في الدنيا.
ويحتمل كل ولي وقريب؛ يخبر أنه لا قريب يملك دفع ما نزل به، ولا ولي، ولا يملك نصره ولا معونته؛ لأن ولايتهم يومئذ تصير عداوة بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ. . .) الآية، استثنى المتقين، وعلى ذلك استثنى في هذه الآية أيضًا حيث قال: (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ ... (42) ومنَّ عليه، وهداه الإيمان، ورزقه التوحيد فإنه يكون بعضهم لبعض شفعاء وأولياء ينصر بعضهم بعضا، ويشفع بعضهم لبعض، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ): (الْعَزِيزُ) في نقمته من أعدائه لأوليائه (الرَّحِيمُ) للمؤمنين الذين استثنى في الآية؛ حيث قال: (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ).
وقوله: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) ظاهر الآية أنها طعام كل أثيم، لكنها ليست بطعام كل أثيم؛ بل هي طعام أثيم دون أثيم، وهو الكافر؛ لأن الإثم المطلق هو الإثم من كل وجه، وهو الكافر، فأما المؤمن المسلم لا يكون أثيمًا مطلقًا مع قيام إيمانه وكثير طاعته؛ فلا يكون صاحب الكبيرة داخلا تحت الآية.
قال بعض أهل التأويل: إنه لما نزل قوله - تعالى -: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ. طَعَامُ الْأَثِيمِ) أتى بعض الكفار بالعسل والزبد، وقالوا لأصحابهم: تعالوا نتزقم فإن