وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، والأصنام التي تعبدونها لم يفعلوا ذلك، ولا يملكون شيئًا من ذلك، فكيف اتخذتموها آلهة دونه؟! واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) ذكر الحكيم والعليم على إثر ذلك يخرج على وجهين:
أحدهما: لسؤال الثنوية: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يجوز أن يبسط الرزق ويوسع الدنيا على من يعلم أنه يعاديه ويشتمه، ويعادي أولياءه ويشتمهم؛ لأن في الشاهد من يصنع إلى من يعلم أنه يعاديه معروفًا فليس بحكيم، فعلى ذلك يقولون: إن ذلك ليس من اللَّه - تعالى - ولكنه من إله غيره سفيه؛ لأنه وصف نفسه بالحكمة، وأنه يزيل الحكمة.
والثاني: لقول البراهمة في إنكارهم الرسالة أصلا، يقولون: ليس من الحكمة بعث الرسل إلى من يعلم أنه يكذبه ويكذب رسله ولا يقبل رسالته؛ بل يقتله ويعاديه؛ لذلك ينكرون رسالة الرسل، فأخبر - تعالى - بقوله: (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) أن إعطائي إياهم ما أعطيتهم وبعثي الرسل إليهم على علم مني بما يكون منهم من التكذيب والعداوة - لا يخرجني عن الحكمة، ويخرج فاعل ذلك في الشاهد عن الحكمة؛ لأن ملوك الأرض إنما يرسلون الرسل ويبعثون الهدايا لمنافع أنفسهم ولحاجتهم، فإذا علموا من المبعوث إليهم الرسل والمصنوع إليهم المعروف ما ذكرنا - خرج من الحكمة، فأما اللَّه - تعالى - إنما بعث الرسل لحاجة المبعوث إليهم، ولمنافع أنفسهم، فكذلك ما يعطيهم من الدنيا لمنافع أنفسهم؛ فلم يخرج بذلك من الحكمة؛ لأنه لا تضره معاداة من عاداه، ولا تنفعه موالاة من والاه؛ بل كل ذلك راجع إليهم؛ بل صنع ما يصنع من المعروف إلى من يعلم أنه يعاديه يكون وصفًا له بغاية الكرم والجود، كذلك ما ذكرنا، وبطل قوله الثنوية والبراهمة، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) قوله: (تَبَارَكَ) قال أهل التأويل: أي: تعالى وتعاظم عما قالت الملاحدة فيه من الشريك، والولد، والصاحبة، وغير ذلك مما لا يليق به، ولا يجوز؛ فيكون تنزيهًا عن جميع ما قالوا فيه، وهو كحرف (سُبْحَانَ) الذي يكون تنزيهًا عما قالوا فيه، واللَّه أعلم.
قال بعض أهل الأدب: (تَبَارَكَ) هو من البركة، لكن بعض العلماء قالوا: إن هذا التأويل لا يصح؛ لأن قوله: (تَبَارَكَ) هو من وقوع البركة بنفسه، فهو اسم ملازم، ولا يجوز أن يوصف اللَّه - تعالى - بوقوع البركة، لكن عندنا (تَبَارَكَ) وهو تفاعل، والتفاعل هو فعل اثنين؛ فجائز نسبة البركة إليهما على حقيقة وقوعها بأحدهما وهو الخلق