فأما المؤمنان فيثني كل واحد منهما على صاحبه ثناء حسنًا، أما الكافران فيثني كل واحد منهما على صاحبه ثناء قبيحًا ".
وعلى هذا السبيل روي هذا الحديث عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أحب في اللَّه، وأبغض في اللَّه، وواد في اللَّه، ووال في اللَّه، فإنما ينال ولاية اللَّه في ذلك، لا ينال ما عند اللَّه إلا بذلك، وقال: ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه وصدقته، حتى يكون كذلك، وقد صار عامة مؤاخاة الناس اليوم، ولكن لا تجزئ عن أهله شيئًا، ثم قرأ: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) وقرأ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . .) الآية، فقول ابن عَبَّاسٍ يومئ إلى أن كل خلة ومؤاخاة فيما بين المؤمنين للدنيا فهي تصير عداوة في الآخرة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) أي: لا خوف عليكم خوف الغير، كقوله - تعالى -: (لَا يَبْغُونَ عَنهَا)، (وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) أي: لا خوف عليكم خوف الأحوال؛ أي: لا حزن لهم في حال كونهم فيها، ولا لهم فيها خوف غير ذلك، ولا زواله عليهم؛ لأن خوف الزوال مما ينغص صاحبه النعمة التي هي له؛ يخبر أن ذلك دائم باق لا زوال له ولا فناء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) والإشكال: أنه سماهم مؤمنين مسلمين بالآيات، والإيمان والإسلام يكون باللَّه تعالى.
فنقول: لأن الإيمان هو التصديق -في اللغة- بما أنبأت الآيات بوحدانية الله وألوهيته؛ لأن جهة سبيل معرفة اللَّه تعالى وطريق العلم به إنما هو بالآيات والحجج التي أقامها على ذلك، ليس من جهة العيان والمشاهدة؛ فالإيمان بالآيات والتصديق بها تصديق باللَّه حقيقة وإيمان به، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) ظاهر هذا يوهم أن الإيمان والإسلام غَيران، لكن هذا من حيث ظاهر العبارة، فأما في الحقيقة هما يرجعان إلى معنى واحد؛ لأن الإسلام هو جعل كل شيء لله - تعالى - سالمًا، لا يشرك فيه غيره؛ كقوله - تعالى -: (وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)