نعلم أنك لست بساحر وأنك رسول؛ فنؤمن بك.
ويحتمل أن يكون عندهم أن اليد البيضاء والعصا، وما أتى به موسى مما يبلغ السحر إلى تغيير ذلك عن جوهره، ويستفاد بالسحر مثله، لكن سألوا منه أن يسأل ربه ما ذكروا؛ لما علموا أن إجابة الدعاء فيما دعا لا يكون لساحر، ولا يجاب إلا للرسول والذي على الحق، فإذا أجابك إلى ما سألت آمنا بك، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك على حقيقة إرادة السحر على التناقض والتمويه على الأتباع؛ كقوله: (مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا)، فالآية لا يسحرهم بها؛ لأن الآية هي التي لا حقيقة لها ولا دوام، فإذا كان آية لا يسحرهم بها، ولا تكون سحرًا، وإذا كان سحرًا لا يكون آية، فكانت عامة أقوالهم خرجت على التناقض؛ على ما ذكرنا في غير آي من القرآن، فعلى ذلك يحتمل هذا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) قد كان اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - عاهد موسى - عليه السلام - لئن آمنوا، أكشف عنهم العذاب، فلما دعا وكشف عنهم العذاب، لم يؤمنوا، واللَّه أعلم.
ويشبه أن يكون عهده إليه ما جعله نبيًّا واختصه لرسالته.
ويحتمل قوله - تعالى -: (بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) على الإضمار؛ كأنهم قالوا: ادع لنا ربك بما عهد كل واحد منا عندك لئن كشفت عنا العذاب إنا لمهتدون، وهو قوله - تعالى - في آية أخرى: (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ)، ألا ترى أنه قال: (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) أي: ينقضوا ما عهدوا، وعهدهم ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) يقول اللعين هذا مقابل ما ادعى موسى - عليه السلام - من الرسالة، يموه بذلك على قومه وأتباعه؛ أي: لئن كان اللَّه أرسل رسولا، فأنا أحق وأولى بالرسالة من موسى؛ ولذلك قال: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) أي؛ ضعيف لا مال له، ولا حشم، ولا تبع، (وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) حجته، وكذلك قال: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) كما ألقي عليَّ، وكما أعطاني من المال والذهب.
أو يقول: إن من كان له رسول يكرمه بأنواع الكرامات ويبذل له أموالا، فإذ لم يؤته شيئًا من ذلك فليس برسول.
أو يقول؛ إنه لو كان رسولا كما يقول، لألقى اللَّه عليه من الأساورة ما ألقيت أنا على