ضعفة الإيمان، حتى لا يتحولوا إلى دين الكفر، فما منع الكافر ما منع إنما منع بسبب المؤمن، فيجب أن يزهد فيها.
وفي الآية دلالة جوده وكرمه؛ حيث لم يمنع من عادى أولياءه وعاداه نعيم الدنيا، وفي الشاهد أن من عادى آخر يمنعه ذلك ما عنده من الفضل والمال.
وفيها دلالة هوان الدنيا على اللَّه - تعالى - على ما ذكره أهل التأويل؛ إذ لو كان لها عنده خطر وقدر لم يعط الكافر منها جناح بعوضة أو جناح ذبابة؛ فدل ذلك على هوانها على اللَّه تعالى.
وفيه دلالة نقض قول المعتزلة؛ حيث قالوا: ليس على اللَّه أن يفعل بعباده إلا ما هو أصلح لهم في الدِّين؛ لأنه أخبر - تعالى - أنه لولا ما يختار أهل الإيمان الكفر والدخول فيه وإلا جعل لأهل الكفر ما ذكر من جعل النعم، فلو كان الأصلح واجبًا في الدنيا لكان يجب أن يعطي لأهل الإيمان مثل ذلك الذي ذكر أنه لو أعطى لأهل الكفر فيكونون جميعًا أهل كفر، وإذا أعطى ذلك لأهل الإيمان لا يكونون جميعًا أهل الإيمان، وهو الأصلح في الدِّين، ومع ذلك لم يعط - دل أنه ليس على اللَّه - تعالى - حفظ الأصلح لهم في الدِّين، ولا حفظ الأخير، واللَّه الموفق.
والأصل في قوله - تعالى -: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ. . .) الآية أنهم خيروا في هذه الدنيا أن يختاروا النعم الدائمة، أو اللذة الفانية، والنعمة الزائلة المنقطعة، فمن اختار وآثر النعيم الدائم واللذة الباقية على النعمة الزائلة واللذة الفانية، ضيق عليهم النعم الزائلة واللذة الفانية؛ لما آثر واختار الباقية على الفانية، ومن آثر الفانية الزائلة على الباقية الدائمة وسع عليه الفانية لما اختار وآثر وهو ما ذكر في قوله - تعالى -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. . .) الآية. بين لكل ما اختار وآثر من النعم الفانية والدائمة، وذكر الفضة والذهب وإن كانت أشياء أخر قد تكون أرفع وأعظم قدرًا منها؛ لأن هذين هما أعز الأشياء عندهم، وبهما يوصل إلى كل رفيع وعظيم، واللَّه أعلم.
ثم ما ذكر من جعل السقف والمعارج من الفضة، وما ذكر من الزخرف هو رد ما قاله فرعون في حق موسى - عليه السلام -: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)، أي: لخساسة الدنيا، وهو أنها لم يعط لأوليائه والأخيار من عباده، ولولا ما يكون من ترك أهل الإيمان وإلا لكان في حق كل كافر مثل ما