عليهم ووسع، لزمهم الشكر، والبسط، وكثرة المال تشغلهم وتمنعهم عن القيام بشكره وما أوجب عليهم من الفرائض والأحكام، ولكن ينزل بقدر ما يشاء ما لا يشغلهم ولا يمنعهم عن القيام بالذي يلزمهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) قد تقدم تأويله.
ثم حاصل تأويلها يرجع إلى وجوه ثلاثة:
أحدها: إلى أهل الكفر: أنه لو وسع عليهم وبسط، لبغوا في الأرض، أي: صاروا كلهم أهل كفر وضلال، كقوله - تعالى -: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ. . .) الآية.
والثاني: يتوجه إلى خاص من المؤمنين؛ لما علم منهم: أنه لو بسط عليهم ووسع لبغوا في الأرض؛ فضيق عليهم وقتر؛ امتنانًا منه وفضلا؛ لئلا يبغوا، وهو كما ذكرنا في أحد تأويل قوله - تعالى -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ): أنه إن كان على حقيقة خلقهم، فهو في الذين علم منهم أنهم يعبدونه لا محالة؛ ليعبدوه على ما ذكر، فأما الذين يعلم أنهم لا يعبدونه لا يحتمل أن يخلقهم للعبادة، ولكن يخلقهم لما علم أنه يكون منهم، واللَّه أعلم.
فعلى ذلك قوله: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) يرجع إلى قوم خاص يعلم اللَّه - تعالى - منهم: أنه لو بسط عليهم ووسع، لبغوا في الأرض؛ فضيق عليهم؛ فضلا منه ومنة؛ فيلزمهم القيام بشكر ذلك له، واللَّه أعلم.
أو أن يرجع ذلك إلى جملة الخلق من مؤمن وكافر: أنه لو وسع وبسط على الكل لصاروا جميعًا ملوكًا ومن عادة الملوك وطباعهم البغي والغلبة على من نازعهم في ملكهم ومملكتهم، وفي ذلك التفاني والفساد؛ فوسع على بعضهم وبسط، وضيق على بعض؛ لئلا يبغي بعض على بعض، إذ في ذلك تفانٍ وتفاسد، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) يحتمل قوله: (مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) أي: من رحمته.
أو (مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) من الأصنام التي عبدوها؛ رجاء الغوث والشفاعة لهم والزلفى عند اللَّه، قنطوا ما رجوا منها، كقوله: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ).
ثم سمى المطر: رحمة وغيثًا، أي: الغوث؛ ليعلم أن له أن يمسك عنهم، ويمسكهم على الحال الأولى في القحط والضيق؛ إذ لو كان عليه إرساله ولم يكن له إمساكه لم