واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي: إن الذين أعطوا الكتاب من بعد الرسل الذين ذكر (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ)، أخبر أنهم كانوا في شك مما جاء به الرسل، لكنهم لم يعذروا في شكهم؛ لما تركوا النظر والتفكر في ذلك، ولو نظروا في ذلك وتفكروا فيه، لوقع ذلك لهم وبانَ الحق؛ فلم يعذروا في ذلك؛ لأنه منهم كان ذلك الشك والريب، ولو تفكروا ونظروا لتجلى لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) اختلف في قوله - تعالى - (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ):
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أي: فبهذا القرآن الذي أنزل إليك فادع.
وكذا قال قتادة: فبهذا القرآن فادعُ.
وقيل: فلذلك وعد أن ينزل عليك فادع.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: وإلى ذلك الكتاب فادعُ.
وقيل: فإلى التوحيد الذي بعث الرسل إلى الدعاء إليه فادع.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَلِذَلِكَ)، أي: فلأجل الذي بعث الرسل فادع؛ أي: ادع إلى التوحيد الذي لأجله بعث الرسل، واللَّه أعلم.
ثم إن قوله: (وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ دليل على أنه كان قد سبق له الأمر بالاستقامة.
ثم يحتمل ما ذكر من الاستقامة التي أمر بها هو تبليغ الرسالة إليهم.
ويحتمل: العبادة له والطاعة.
ويحتمل: الاستقامة في التوحيد له ودعاء الخلق إليه، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَن تَابَ مَعَكَ)، على هذين الوجهين الآخرين يخرج الأمر بالاستقامة لمن تاب معه، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) أي: في ترك الدعاء إلى التوحيد؛ إذ هو هوى الكفرة أن يترك هو الدعاء إلى التوحيد.
ويحتمل أنه نهى عن إجابته إياهم فيما دعَوْا هم؛ إذ هوى الكفرة أن يجيبهم فيما دعَوْا هم إليه من الشرك، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ) أمره بأن يخبر بأنه مؤمن بجميع الكتب