على ألسن الأنبياء والرسل - عليهم السلام - فمن قال: إن البشارة التي ذكر في الدنيا عند قبض الأرواح، فلما ذكر في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر "؛ لأن المؤمن يُرَى له الجنة ويبشر بها في ذلك الوقت؛ فيصير الدنيا له سجنًا لما عاين مما هُيِّئ له وجعل له من الثواب، والكافر لما رأى له مكانه في النار أو بشر به صارت له الدنيا جنة؛ وعلى ذلك يخرج قوله - عليه السلام -: " من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، ومن كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه "، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: يشبه أن يكون هذا القول من الذين بشروهم بما بشروا يقولون: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وجائز أن يكونا ذلك من اللَّه تعالى، وإن كان المذكور على أثر البشارة الملائكة؛ وذلك كقوله - تعالى -: (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَ)، ثم إن كان ذلك من اللَّه - سبحانه وتعالى - فيكون تأويله (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ) في عصمتكم في الدنيا، وأولى بكم في الآخرة في المعونة، أو نقول: نحن أولى بكم في النصر والتوفيق في الدنيا والجزاء والثواب في الآخرة، والله أعلم. وإن كان ذلك من أُولَئِكَ الذين بشروهم يقولون: نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا بالصحبة، فكذلك يكون في الآخرة.
وقوله: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ).
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: (مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) أي: لكم ما ترغب به أنفسكم وتتوق إليه.
أو لكم فيها ما تتلذذ به أنفسكم وتتنعم بها.
وقوله: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ).
قيل: ما تتمنون وتسألون، أو يقول: ما تدعون من الدعوى.