(79)

يوجد منه الإنكار لغيره على الجملة أو التعيين، وكذلك الإيمان باللَّه تعالى إيمان بالرسل جميعًا؛ لأن الإيمان باللَّه إيمان بأمره ونهيه؛ فيكون إيمانًا بمن جاء الأمر والنهي على يده، واللَّه الموفق.

وقوله: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ).

كأنهم سألوه أن يأتي بآية بعد آية على أثر آية أخرى، فقال عند سؤالهم ذلك: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أي: ليس لرسول أن يأتي بالآية على شهوته أو على شهوة السائل.

وهذه الآية تدل على نقض قول الباطنية؛ فإنهم يقولون: إن أنفس الرسل جواهر روحانية يأتون بها الآية حيث شاءوا وكيف شاءوا، فكان للرسل عندهم بسبب الجواهر الروحانية التي فيهم - قدرةُ إتيانِ الآيات كيف شاءوا من غير إذن من اللَّه تعالى، ومن غير سؤال منهم إياه في وقت الإتيان، ولو كان الأمر على ما قالوا لم يكن لقوله: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) معنى، وأنه مخالف للآية؛ فإن فيها إخبارًا: أنه لا يأتي الرسل بالآيات إلا بإذن من اللَّه تعالى، واللَّه الموفق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ).

أي: إذا جاء الأمر بعذاب اللَّه، أو إذا جاء الأمر بموعود اللَّه، يعبر بالأمر عن الموعود الذي أوعدوا، وقد ذكرنا معنى الخسران فيما تقدم.

وقوله: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)

ذكرهم بهذه الآية وبالآية التي تقدم ذكرها لوجهين:

أحدهما: يذكرهم النعمة التي أنعمها عليهم حيث قال: (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)، وقال: (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ)، ثم قال هاهنا: (جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)، ذكرهم أولا بدء إنشائهم حيث خلقهم من تراب ثم من نطفة. . . إلى آخر ما ذكر.

وفيه دلالة وحدانيته وعلمه وتدبيره وقدرته، ثم ذكرهم من بعد نعمه. . . إلى آخره؛ يستأدي بذلك شكره وحمده على ذلك، هذا وجه.

والثاني: يذكرهم أنه إنما أنشأ هذه الأشياء التي ذكرها وعدّها عليهم للبشر، لم ينشئها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015