وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).
أي: ادعوه بإخلاص الدِّين له.
ثم يحتمل قوله: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وجهين:
أحدهما: أي اعبدوه مخلصين له العبادة، لا تشركوا فيها غيره؛ من نحو ما كانوا يعبدون الأصنام دونه رجاء الشفاعة لهم وتقريبهم إليه، أخلصوا العبادة والدِّين، والإخلاص: هو التصفية له.
والثاني: ادعوه على حقيقة الدعاء له والتسمية؛ كأنه يقول - واللَّه أعلم -: ادعوه وسموه: إلها، لا تدعوا ولا تسموا غيرًا: إلها؛ لأنهم كانوا يسمون ويدعون الأصنام التي عبدوها: آلهة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
أي: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) على خلقه بما أنعم عليهم وصنع إليهم، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي).
كان الكفرة دعوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى عبادة ما عبدوا هم من الأصنام، فقال: إني نهيت عن ذلك، وهو كما ذكر في غير آي من القرآن، حيث قال: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وغير ذلك من الآيات.
وقوله: (لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي)، يحتمل وجهين:
إن كان المراد من البينات القرآن أو الآيات التي جعلت معجزة له، على ما قاله أهل التأويل - فهو على التأكيد والإبلاغ، فإنه كان النهي عن عبادة غير اللَّه تعالى والشرك بالله لازمًا قبل مجيء الرسل وما أتوا من البينات على ما تقدم، واللَّه أعلم.
والثاني: يحتمل قوله: (لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي): العقل الذي يعرف به ذلك، ويكون قوله: (جَاءَنِيَ) أي: ظهر لي؛ كقوله تعالى: (جَاءَ الْحَقُّ)، أي: ظهر الحق، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).