(64)

قيل: هي المفاتيح، وهي فارسية عربت.

وجائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَهُ مَقَالِيدُ) أي: له مفاتيح: جميع البركات والخيرات على أهل السماوات والأرض، يخبر أن ذلك كله بيده، ليس بيد أحد سواه، منه يطلب ذلك، ومنه يستفاد، واللَّه أعلم.

ثم لم يفهم مما أضيف إليه من المقاليد ما يفهم من مقاليد الخلق لو أضيف إليهم؛ فكيف فهم مما أضيف إليه: من مجيء، أو استواء، وغير ذلك ما فهم مما أضيف إلى الخلق، واللَّه الموفق؟

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

كأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - جعل هذه الدنيا وما فيها لأهلها، وبين أحوالهم، يتخيرون بها ويشترون بها الآخرة، ويتزودون لها؛ ولذلك قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ)، فمن لم يتزود لم يجعلها بلغة إلى الآخرة سمي: خاسرًا مغبونًا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)

دلت هذه الآية على أن سفه أُولَئِكَ الكفرة قد بلغ غايته، وجاوز حده؛ حتى دعوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى عبادة من دونه؛ بعد ما عرفوا فضيلة الرسالة والرسول وخصوصيته؛ حتى أنكروا الرسالة في البشر، وبعث البشر رسولا، فلولا ما وقع عندهم من الفضيلة للرسول، والخصوصية له؛ وإلا لم يحتمل أن ينكروا وضعها في البشر وبعث البشر رسولا، ثم قد أتاهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من البيان والحجج ما قد قرر عندهم أنه الرسول إليهم، فمع ما تقرر عندهم ذلك دعوه إلى أن يعبد غير اللَّه دونه، فيكون لهم، فهذا منهم تناقض في القول وسفه؛ حين صيروا المفضل والمخصوص بالرسالة في العبادة من دونه كغير المفضل والمخصوص بها - واللَّه أعلم - ليعلم أنهم لسفههم وتعنتهم كانوا يدعونه إلى عبادة من دون اللَّه، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ).

سماهم: جهلة بما أمروه ودعوه إلى عبادة غير اللَّه، وكذلك قال موسى - عليه السلام - لقومه حين سألوا موسى أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة؛ فقال: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015