قيل: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ)، أي: ارجعوا إلى ما أمركم ربكم، (وَأَسْلِمُوا لَهُ)، أي: أخلصوا له التوحيد، أو أن يقول: اجعلوا كل شيء منكم له.
وأصل الإنابة: هو الرجوع إلى طاعة اللَّه والنزوع عما كان عليه لأمر اللَّه، يقول - عز وجل -: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ. . .) الآية. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) يقول - واللَّه أعلم - على الصلة بالأول: أن أنيبوا له وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب؛ فلا يقبل منكم الإنابة والتوبة؛ إذ أقبل عليكم العذاب.
(ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ).
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: ثم لا تنصرون بإنابتكم إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - في ذلك الوقت الذي أقبل عليكم العذاب فيه، على ما ذكرنا، أي: لا تخافون من ذلك الوقت.
والثاني: لا تنصرون بعبادة من عبدتموه من الأصنام والأوثان؛ على رجاء أن يشفع لكم ويدفع عنكم العذاب.
أي: أنيبوا إلى عبادة اللَّه الحق قبل نزول العذاب بكم؛ فإنكم إن كنتم على عبادة من تعبدون دونه لا تنصرون، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ... (55)
يحتمل وجوهًا:
أحدها: كأنه يقول: اتبعوا ما أمركم ربكم، وانتهوا عما نهاكم ربكم عنه.
والثاني: اتبعوا ما في القرآن وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه واجتنبوه، يقول: اعملوا به وبادروا في العمل به من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة.
والثالث: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - قد بين السبيلين جميعًا: سبيل الخير والشر على الإبلاغ؛ فيقول: اتبعوا سبيل الخير منه، ولا تتبعوا سبيل الشر؛ فيكون تأويل هذا كأنه يقول: اتبعوا الحسن منه، ولا تتبعوا غيره، ونحو ذلك، وقد ذكرناه فيما تقدم، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ).
كأنه موصول بالأول، يقول: لا يؤخرون الإنابة إليه والتوبة، فإن العذاب لعله سينزل