وقال أهل التأويل: (هَلْ يَسْتَوِيَانِ) من يعبد آلهة شتى مختلفة، والذي يعبد ربًّا واحدًا، وهو المؤمن، وقد رأوا أنهم قد استووا في هذه الدنيا، وفي الحكمة التفريق بينهما، وفيه دلالة البعث، وكذلك في قوله: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا)، وقد استووا في هذه الدنيا دل أن هنالك دارًا أخرى يفرق بينهما فيها؛ إذ في الحكمة والعقل التفريق بينهما، واللَّه أعلم.
وقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) ذكر الحمد على أثر ذلك يخرج على وجهين:
أحدهما: أن يحمد ربه على ما خصه بالتوحيد من بين الكفار (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) توحيد ربهم.
والثاني: أمره أن يحمد ربه على ما جعله سالمًا خالصًا؛ لم يجعل فيه شركاء متشاكسين.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: (شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ) أي: مختلفون، يتنازعون، ويتشاحُّون (وَرَجُلًا سَلَمًا) أي: خالصًا.
ومن قرأ (سَلَمًا لِرَجُلٍ) أراد: سلم إليه، فهو سلم.
ثم قوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) يحتمل الأنبياء منهم والخواص؛ كقوله: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).
وجائز أن يكون أراد جميع المؤمنين، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود: (تقشعر منه جلود الذين يؤمنون بربهم ثم تطمئن جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) وفي حرف حفصة: (ثم يثبت جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللَّه).
وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ): يقول - والله أعلم -: ليس الضال الذي يتقي النار بوجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه؛ ليسا بسواء؛ على ما ذكرنا.
(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) وجه ذكر هذا على أثر ما تقدم من قوله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا) وقد استووا في هذه الدنيا من أخلص نفسه ودينه لله وللرسول، ومن جعل فيه شركاء ولم يسلم نفسه له، وهو الكافر، ثم تموت أنت ويموتون هم، فلو لم تكن دارٌ أخرى يميز فيها ويفرق بين الذي جعل نفسه