(19)

وقَالَ بَعْضُهُمْ: يستمعون إلى القرآن وفيه الأمر والنهي فيتبعون أمره وينتهون عما نهى عنه، واللَّه أعلم.

وجائز أن يكون قوله: (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)، أي: يتبعون الحسن منه الأحسن، بمعنى: الحسن، واللَّه أعلم.

وقال قائلون: فيتبعون أحسن ما في القرآن من الطاعة منه؛ كقوله: (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا. . .) الآية، وتأويله ما ذكرنا: أن خذوا ما فيه من الأمر وأتمروا به وانتهوا عما فيه من المناهي، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ).

أي: أُولَئِكَ هم المنتفعون بلبهم وعقولهم؛ حيث اختاروا وآثروا هداية اللَّه ونظروا إليها بالتعظيم والإجلال واهتدوا.

وقوله: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)

ذكر اللَّه - تعالى - في هذه السورة أشياء لا يعرف لها أجوبة في الظاهر إلا بالتأمل والاستدلال على غيره، من ذلك ما ذكر: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) كأنه يقول - واللَّه أعلم -: أفمن حق عليه العذاب كمن له البشرى في الآخرة؛ لأنه ذكر فيما تقدم للمؤمنين البشرى حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى. . .) الآية، على هذا يخرج جوابه: أفمن وجب عليه العذاب كمن وجب له البشرى، لا سواء.

أو أن يقول: أفمن حق ووجب عليه العذاب كمن شرح صدره للإسلام، أي: ليس الذي وجب عليه العذاب كالذي شرح صدره للإسلام.

أو أن يقول: هذا لنازلة كانت لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لحرصه على إسلام قوم أحب أن يسلموا، فقال هذا له على الإياس من إسلامهم؛ يقول: أفمن وجب عليه العذاب، أفأنت تنقذه وتخلص من النار من قد وجب عليه العذاب، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)؛ وكقوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) كان لا يقدر أن يكرههم على الإسلام، لكنه كان يحب ويحرص على إسلامهم ويحزن لتركهم الإسلام؛ كقوله: (وَلَا تَحزَن عَلَيهِمْ)، وقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نفسَكَ)، (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)، ونحو ذلك، كان يحزن وكادت نفسه تتلف إشفاقًا عليهم، فيقول: أفمن وجب وحق عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015