وقوله: (وَيَرْجُو رَحْمَةَ) دلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الرجاء والحذر يرجو رحمته لا عمله ويحذر عذابه لتفصيره في عمله.
ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمنا، وقد قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، والخوف إذا جاوز حده يكون إياسا، وقد قال اللَّه - تعالى -: (لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، ويجب أن يكون المؤمن كما ذكر - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)، و (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)، لا يجاوز أحدهما.
وجائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)، أي: جنته على ما سمى الجنة: رحمة في غير موضع؛ لما برحمته تنال هي، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ).
في معرفة نعم اللَّه والقيام بشكره، والحذر عن عصيانه وعذابه.
وقوله: (وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
في كل ذلك، جوابه أن يقال: لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).
وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).
إنما يتذكر بمواعظ اللَّه أولو العقول والبصر والمعرفة، واللَّه أعلم.
وقوله: (آنَاءَ اللَّيْلِ) أي: ساعات الليل، و (قَانِتٌ) أي: مطيع، وأصل القنوت هو الطاعة، وقيل: القنوت: القيام، وهو القيام في الطاعة، واللَّه أعلم.
وفي قوله: (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) دلالة جواز الإرجاء؛ لأنه لم يقطع على أحدهما دون الآخر؛ وكذلك في قوله تعالى: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)، وفي قوله: (رَغَبًا وَرَهَبًا)، وفي القطع على أحدهما كفر على ما ذكرنا من قوله: (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ)، و (لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)؛ إذ المجاوزة في الخوف إياس، والمجاوزة في حد الرجاء أمن وقد ذكرنا أنه كفر.
وقوله: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
يحتمل قوله: (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) وجوهًا:
اتقوا سخط ربكم.
أو اتقوا نقمة ربكم.