كل شيء منها من اللحوم وغيرها، ولكن أحل لنا الانتفاع بظهورها من نحو الحمير والبغال وغير ذلك مما يشتهى، واللَّه أعلم.
ثم الثمانية الأزواج التي ذكر أنها خلقها لنا في هذه الآية هي التي ذكرها في سورة الأنعام وهو قوله: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ. . .)، إلى قوله: (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ. . .)، إلى آخر ما ذكر، فيشبه أن يكون ما ذكر من ثمانية الأزواج أنه أنزل لنا في سورة الزمر التي هي أحل لنا كل شيء منها، وأما ما سوى ذلك فإنه إنما أحل لنا الانتفاع بها لم يحل لنا أكلها؛ لأنه ذكر في سورة الأنعام الأكل، ثم ذكر على أثر هذه الثمانية الأزواج الإبل والبقر والضأن والمعز، حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ)، ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ. . .)، إلى آخر ما ذكر، وهذا يدل على أن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) إنما هو مما ذكر، أي: لا أجد محرمًا من هذه الأصناف الثمانية إلا ما ذكر من الدم والميتة ولحم الخنزير.
ثم يخرج استثناء لحم الخنزير مخرج استثناء غير جنس المذكور على إضمار كون ذلك الغير فيه، وذلك غير جائز في الكلام؛ كقوله: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)، كأنه قال: أحلت لكم بهيمة الأنعام والاصطياد (إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ)؛ فعلى ذلك الأول كأنه أضمر فيه استثناء لحم الخنزير منه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ).
قال أهل التأويل: تحويله من حال إلى حال من نطفة إلى علقة ثم إلى مضغة حتى يتم خلقًا مستويًا.
(فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ).
قيل: الرحم والبطن والمشيمة، وقيل: الظهر، يخبر عن قدرته وعلمه وتدبيره: أنه حيث قدر على خلق الإنسان وكل خلق في تلك الظلمات الثلاث والتسوية بين كل شيء منه من اليدين والرجلين والعينين والأذنين والسمعين والبصرين وقسمة الأعضاء على السواء حتى لا يزداد إحدى اليدين على الأخرى، وكذلك إحدى الرجلين وإحدى العينين