أو أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَاصِفَةً) على أعداء اللَّه رخاء لينة على أوليائه، واللَّه أعلم.
ثم فيما ذكر من جرية الريح بأمره حيث أراد وقصد، لطف اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بسليمان حين جعله بحيث تفهم الريح مراده ويفهم هو منها ما أرادت حتى كان يستعملها فيما شاء، وكذلك ما فهم من نطق الطير وكلامه وكلام النمل الذي ذكر وتفهم هي منه، فذلك كله لطف منه به ورحمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
أي: سخرنا له الشياطين حتى يستعملهم فيما شاء: بعضهم في البناء، وبعضهم في الغوص في البحر لاستخراج ما فيه من الأموال؛ ليتفرغ الناس لعبادة اللَّه والخدمة لا يكون لهم شغل في البنيان ولا في مؤنة أنفسهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
وآخرين لم يطيعوه فيما أمرهم من الأعمال في البناء والغوص وغير ذلك من الأعمال جعلهم في الأصفاد -وهي الأغلال تجعل في الأعناق- ليدفع شرهم وسوءهم عن الخلق حيث لم يطيعوه فيما أمرهم بالعمل للخلق ليتفرغوا للعبادة، وهو ما ذكرنا من آية عجيبة لسليمان - عليه السلام - واللطف له حيث مكن له من استعمال ما ذكر من الجن والشياطين والريح وسخر له ذلك؛ ليعلم أنه إنما قدر على ذلك بلطف منه لا بالحيل والأسباب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
قال عامة أهل التأويل: هذا في الشياطين التي ذكر أنه سخرها له في العمل، وآخرين في جعله إياهم في الأصفاد، خيره بين أن يمن على من شاء منهم فيخلي سبيله، وبين أن يمسك من شاء منهم فلا يخلي سبيله.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذلك التخيير في الشياطين وفي جميع ما أعطاه له من الملك يقول: إن شئت تمن فتعطيه من شئت، وإن شئت أمسكت فلا تعط أحدا شيئًا، ولا تبعة عليك في ذلك الإعطاء ولا في الإمساك، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون لا على التخيير، ولكن امتحن بالإعطاء لقوم والمنع عن قوم، فيقول: