أمر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - على ما ذكر في القصة: أن الشفرة قد انقلبت عن وجهها فلم تقطع، فمن أمر بأمر ثم منع عما أمره به وحيل بينه وبين ما أمر به، لم يصر تاركًا للأمر، ولا كان موصوفًا بالترك له، لذلك كان ما ذكر، واللَّه أعلم.
ثم يجوز أن يستدل بهذه الآية لمسائل لأصحابنا:
إحداها: في المرأة إذا أسلمت نفسها للزوج وهناك ما يمنع الزوج عن الاستمتاع بها والجماع صارت موفية مسلمة ما على نفسها إلى زوجها، فاستوجبت بذلك كمال الصداق ولزمتها العدة؛ إذ لا تملك سوى ما فعلت وإن لم يجامعها زوجها.
وفيمن عنده أمانة إذا سلمها إلى صاحبها وصيرها بحال يقدر على أخذها وقبضها يصير مسلمًا إليه مؤديًا خارجًا منها موفيا، وإن لم يقبض الآخر ولم تقع في يده.
وفي البائع إذا سلم المبيع إلى المشتري وخلى بينه وبين ذلك يصير مسلمًا إليه خارجًا من ضمان ذلك وعهدته وإن لم يقبضه المشتري، ونحوه من المسائل مما يكثر إحصاؤها؛ إذ ليس في وسعهم إلا ذلك المقدار من الفعل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا).
لو كان هذا القول بعد ذبح الكبش، ففيه حجة لقول أصحابنا حيث قال أبو حنيفة - رحمه اللَّه -: إن من أوجب على نفسه ذبح ولده يخرج منه بذبح الكبش؛ لما أخبر أنه قد صدق الرؤيا بذبح الكبش؛ فعلى ذلك يصير هذا موجبًا على نفسه ذبح كبش لا غير، والله أعلم، وإن كان قوله: (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) قبل ذبح الكبش بإضجاعه إياه وإسلامه لذلك، ففيه ما ذكرنا أنه بذل تسليمهما نفسه منزلة إتيان عين ذلك؛ إذ منع عن ذلك لا أنه ترك ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) إن الأمر بذبح الولد الذي أمر به إبراهيم محنة عظيمة.
ويقول بعض أهل التأويل: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ)، أي: النعمة العظيمة، أي: في الفداء الذي فدى لإبراهيم - عليه السلام - نعمة عظيمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
وهو الكبش، قال بعض أهل التأويل: سماه: عظيمًا؛ لأنه كان يرعى في الجنة