والهلاك؛ وهو قول أبي عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ.
وقوله: (لَمَدِينُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: لمحاسبون.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: لمجزيون، والدِّين: الجزاء.
وقال: (بَيْضٌ مَكْنُونٌ): مستور، لا يصيبه غبار ولا وسخ.
وقوله: (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أي: هممت، وأردت أن تهلكني وتغويني لو أجبتك واتبعتك فيما أدعوتني، إليه وسألتني.
ثم أخبر أنه (وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) معه، وهذا على المعتزلة لقولهم: إن عليه هداية كل أحد ما لو منعه عنه كان جائرا في منع ذلك، وهذا الرجل أخبر أنه بنعمته ورحمته اهتدى ما اهتدى، وأنه لو لم يكن منه إليه نعمة، لكان من المحضرين فيها، فهو أعرف بربه من المعتزلة، وكذلك الشيطان وجميع الكفرة أعرف بنعمة ربهم من المعتزلة؛ لأنهم قالوا: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ)، (لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)، ومثله كثير في القرآن: أنهم جميعًا رأوا الهداية لهم من اللَّه نعمة ورحمة ولم يعط الكفرة ذلك، والمعتزلة يقولون: بل هدى كل كافر ومشرك لكنه لم يهتد، وأهل الجنة قالوا أيضًا: (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)، وقالوا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا)، ومثله كثير في القرآن، واللَّه أعلم.
وقوله: (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)
يحتمل قوله: (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) على الإيجاب والإلزام، ليس على الاستفهام، وسؤال بعضهم بعضًا: ألا نموت فيها ولا نعذب، وإذ لم نمت ولم نعذب فيها، فإذن كان ذلك فوزا عظيمًا؛ ولذلك ذكر أبو معاذ عن الكسائي: أن هذا استفهام تعيين وفي القرآن كثير مثله، وقال: قد يكون الاستفهام على التعجيب، ويكون على التعيين، ويكون على الجهالة، ويكون قوله: (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى) أي: بعد موتتنا الأولى؛ لأنه بعد إذاقتهم الموتة الأولى؛ فإنهم لا يذوقون ثانيًا.