(سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) والساحر هو الذي يبلغ في علم الأشياء غايته، والجنون في الجهل؛ دل أنهم إنما يقولون عن عناد وتعنت.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
الحق: قَالَ بَعْضُهُمْ: بالحق الذي لله عليهم وما لبعضهم على بإض، وأصل الحق: أنه كل ما يحمد على فعله، وكل ما يذم عليه فهو باطل.
(وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ): أخبر أنه صدق إخوانه من المرسلين، واللَّه أعلم.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: (وَالصَّافَّاتِ): هي الطيور التي صفت بين السماء والأرض، (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) من الزجر يقال: زجرت الإبل زجرا إن صحت بها؛ فهو اسم الصياح، (فَالتَّالِيَاتِ) كما تقول: تلوت القرآن، أي: قرأت، وتلوت: تبعت، والتالي: التابع، والقذف والرمي (وَيُقْذَفُونَ) أي: يرمون، و (دُحُورًا): أي مباعدة؛ دحرته، أي: باعدته وطردته، (وَاصِبٌ)، أي: [دائب]، (خَطِفَ الْخَطْفَةَ) أي: استلب الشيء، والخطفة: الاستلاب السريع، (فَأَتْبَعَهُ)، أي: اتبعه، (شِهَابٌ ثَاقِبٌ): الشهاب: الكوكب، والثاقب: الشديد الضوء والحر؛ يقال: ثقبت النار، أي: التهبت واشتد حرها، وأثقبتها، أي: أوقدتها، سخرت واستسخرت كقولهم: قر واستقر؛ واحد، وسخر به وسخر به بالتشديد وسَخَّرتُ فلانا، أي: استعملته بغير أجر، (مُسْتَسْلِمُونَ)، أي: قد ذلوا وأعطوا بأيديهم؛ يقال: استسلم الرجل إذا أعطى بيده، وأسلمته: تركته لم أعنه ولم أنصره، (وَأَزْوَاجَهُمْ): أشكالهم، تقول العرب: زوجت، أي: إذا قرنت واحدا بآخر، وهم قرناؤهم من الشياطين، (كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ)، أي: تخدعوننا وتمنعوننا عن طاعة اللَّه، واللَّه أعلم. وزوج الشيء: شكله، ويقال لضده؛ فهو اسم لهما جميعًا.
وقوله. (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ).
يحتمل ما ذكرنا: أنه على الإضمار: أنه إذا قيل لهم: قولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يستكبرون.
ويحتمل وجهًا آخر: أنهم إذا قيل لهم: اتركوا عبادة الأصنام، واصرفوا عبادتكم إلى الإله الذي هو في الحقيقة إله، وهو المالك لجر النفع ولدفع الضر، وهو اللَّه جل وعلا؛ ويدل لهذا قولهم: (أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) أي: نترك عبادة آلهتنا لقول شاعر مجنون، واللَّه أعلم.
ذكر أن نفرًا من رؤساء قريش أتوا إلى أبي طالب فقالوا: ما يريد منا ابن أخيك مُحَمَّد؟ فدعا به فقال: ما تريد منهم يا ابن أخي؟ فقال له: " يا عم، إنما أريد منهم كلمة يملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم "، وفي بعض القصة أنه قال لهم: " أريد منكم كلمة يدين لكم بها العرب ويؤدي إليكم بها العجم الجزية "، فقالوا: وما هي؟ فقال: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،