يقولون: إنكم تركتم الإيمان بأنفسكم وباختياركم لا إنا منعناكم منعا عنه.
وقالوا: (وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
أي: ما كان لنا عنيكم من حجة أو برهان ألزمناكم به، بل أطعتمونا طوعًا واستجبتم لنا فيما دعوناكم، فهذه المناظرة والمجادلة فيما ينهم كمناظرة إبليس في موضع آخر حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ)، أي: دعوتكم بلا حجة ولا برهان فاستجبتم لي؛ فعلى ذلك يقول هَؤُلَاءِ: (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) باختياركم ترك الإيمان بلا سلطان ولا حجة كان عليكم، وكمناظرة القادة مع الأتباع حيث قال: (وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ)، ونحوه، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله: (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) أي: من جهة القوة، أي: إنكم على الحق وإنكم مؤمنون ونحو ذلك.
ويحتمل لا على حقيقة اليمين، ولكن تأتوننا من كل جهة؛ كقوله: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ. . .) الآية، أي: من كل جهة لا على حقيقة ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقد ذكرنا أن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ) أن قوله: (سُلْطَانٍ) أي: لم يكن لاتباعكم إيانا وطاعتكم لنا حجة أو برهان أقمناه عليكم فيما دعوناكم إليه، وإنما كان اتباعًا من غير أن ألزمناكم؛ فلا تلومونا ولكن لوموا أنفسكم.
(بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ).
أي: بطغيانكم اتبعتمونا لا بما ذكرتم، واللَّه أعلم.
ثم قالوا: (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)
يشبه أن يكون هذا قول الأكابر منهم والمتبوعين للأصاغر والأتباع منهم: أن حق علينا قول ربنا؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: وجب علينا وعليكم عذاب ربنا.
ويشبه أن يكون القول الذي أخبروا أنه حق عليهم هو قوله: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
وقوله: (فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)