إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
اختلف في قوله: (مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ): قال قائلون: (مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ): ما كان من عقوبات اللَّه ووقائعه فيمن كان قبلكم من عنادهم في آياته وتكذيبهم رسله، يقول: اتقوا ذلك واحذروا نزوله عليكم، فسمى: بين أيديهم؛ لأنه مضى بين أيديهم، وما خلفهم من أمر الساعة وعذابها سمى: خلفا؛ لأنه بعد ورائهم غير مأتي، يقول: احذروا ذلك.
وقال قائلون: (مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) هو عقوبات الآخرة هي بين أيديهم ستأتي بهم وستنزل، (وَمَا خَلْفَكُمْ) ما مضى من العقوبات التي نزلت بمن كان قبلكم؛ فصار ذلك وراءً وخلفا، يقول: احذروا ذلك.
وجائز أن يكون على غير هذا يقول - واللَّه أعلم -: احذروا ذنوبكم التي عملتم ومعاصيكم التي عصيتم في الدنيا، واحذروا أيضًا ما تسنون أيضًا لمن بعدكم؛ كقوله: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ): ما قدمت: ما عمل هو، وما أخرت ما سن لغيره من بعد.
وقوله: (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
أي: إذا فعلتم ذلك استوجبتم الرحمة بفضله، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
هذا - واللَّه أعلم - في قوم خاصة اعتادوا العناد والمكابرة في رد الآيات والإعراض عنها؛ لما كان سؤالهم الآيات تعنتًا لا سؤال استرشاد، ولو كان سؤالهم سؤال استرشاد، لكان قد أنزل لهم من الآيات وأتاهم ما يلزمهم قبولها والتمسك بها.
ثم الإعراض والعناد يكون بوجهين:
أحدهما: يعرض عنها؛ لما لم تقع له؛ لترك التأمل والنظر فيها.
والثاني: يعرض عنها إعراض عناد بعد التحقيق والتيقن والعلم بأنها آيات، والله أعلم.
وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
يحتمل قوله: (أَنْفِقُوا) أي: صلة الأرحام والقرابات على حقيقة الإنفاق.