متصلة بمنافع الخلق وحوائجهم بأسباب أنشأها لهم وأعلمهم بها؛ ليصلوا إلى تلك المنافع والحوارج؛ فدل أنه فعل واحد؛ إذ لو كان فعل عدد لكان في ذلك تمانع على ما ذكرنا، وأنه عارم بذاته مدبر؛ ولذلك قال: (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي: ذلك الذي ذكر كله تقدير الذي لا يعجزه شيء، والعليم الذي لا يخفى عليه شيء! وباللَّه القوة.
ثم قوله: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ... (38)
وفي بعض الحروت: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) فعلى هذا القول أي: تجري أبدًا لا مستقر لها ولا قرار.
ومن قرأ: (تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا): أي: لنهاية لها وغاية.
ثم اختلف في تلك النهاية: فمنهم من يقول: نهايتها وغايتها هو ذهاب هذا العالم وانقضاؤه وتبديل عالم آخر؛ كقوله: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)، وقوله: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ)، قدر نهايتها، ومنهم من يقول: مستقرها: هو نزولها في كل يوم في منزل، لما ذكر أن لها منزلا، تنزل كل يوم في منزل، ثم تطلع من مكان آخر؛ وكذلك قال: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ).
ومنهم من يقول: نهايتها ما ذكر في الخبر: " أنها إذا غربت ترفع إلى السماء السابعة، تخر لله - تعالى - ساجدة تحت العرش، ثم يؤذن لها بالطلوع "؛ ذكر في الخبر عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " لما أذن لها بالطلوع والارتفاع يأتيها جبريل بحلة من ضوء الشمس، على مقدار ساعات من النهار في طوله في الصيف وقصره في الشتاء، وما بين ذلك في الخريف والربيع، فتلبس تلك الحلة، كما يلبس أحدكم ثوبه "، وذكر في القمر كذلك من الحبس والسجود لله، إلا أنه ذكر فيه: " أن جبريل يأتيه بحلة من نور العرش "، وفي بعض الأخبار: " بكف من ضوء العرش، وبكف من نوره "، فيلبس تلك الحلة - أي: ذلك النور والضوء - كما يلبس أحدكم ثوبه، فذلك قوله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا)، ذكر للشمس ضياء، وللقمر نورًا كما ذكر في الخبر.