أو أن يكون وجه الدلالة فيه من وجه آخر: وهو أنه لما أنشاهم وعلم ما يصلح لهم من الغذاء وما لا يصلح لهم ما يكون لهم من غذاء، وما لا يكون قبل أن ينشئهم؛ دل أنه عالم بذاته قادر لا يعجزه شيء ولا يخفى عليه شيء.
أو أن يكون لما أنشأ هذه الأشياء التي ذكر لهم لا يحتمل أن يتركهم سدى، لا يمتحنهم بشيء ولا يأمرهم بشيء ولا ينهى عن شيء، فإن ثبت المحنة ثبت البعث وظهر الثواب والعقاب.
وفي قوله: (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا. . .) إلى آخر ما ذكر من أنواع الفواكه والثمار وغيرها - آية الوحدانية له والألوهية، ودلالة الجود والكرم له؛ ليرغبوا فيه ويطمعوا منه، ودلالة العدل له والسلطان ليهابوه، ودلالة البعث؛ لما ذكرنا، ودلالة أن هذه النعم منه؛ ليشكروه حيث قال في آخره: (أَفَلَا يَشْكُرُونَ)، والله أعلم.
وقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
من الناس من يقول: إن الأزواج هي التي لها مقابل من الأشكال والأضداد مما للخلق فيه فعل ومما لا صنع لهم فيه، حيث قال: (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)، ويستدل بذلك على خلق أفعال العباد، وهو ما قال: (خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا)، ومن الأزواج ما يكون فعلا لهم، وقد أخبر أنه خلقها كلها دل أنه خالق أفعالهم، والله أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
وقوله: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ).
في ذلك آيات من وجوه:
أحدها: آية القدرة على البعث والإحياء بعد الموت.
والثاني: آية الوحدانية له والألوهية.
والثالث: آية العلم الذاتي له والتدبير الأزلي.
أما دلالة البعث فهو ما ذكر من جعل ما هو ليل نهارًا، ومن جعل ما هو نهار ليلا بعد ذهاب أثر هذا بكليته حتى لا يبقى منه شيء، ومجيء الآخر وانثزاع هذا من هذا وإدخاله