وقوله: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ... (30)
في تركهم الإيمان باللَّه وتكذيبهم الرسل واستهزائهم بهم، والحسرة: قال بعض أهل الأدب: هي الغاية من الندامة، إذا انتهت الندامة غايتها يقال: حسرة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحسرة: الحزن والتحزن والتندم؛ وهو واحد.
ثم قَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ): أي: يا حسرة الرسل على ذلك المؤمن المقتول على الإيمان بهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يا حسرة أُولَئِكَ الكفرة على أنفسهم إذا عاينوا العذاب على ما كان منهم من الاستهزاء على الرسل؛ كقوله: (يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا)، وقوله: (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)، واللَّه أعلم.
وقوله: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)
فَإِنْ قِيلَ: كيف احتج عليهم بالرجوع إليهم وهم كانوا ينكرون البعث والرجوع بعد الموت؟! فهو يخرج على وجوه:
أحدها: (أَلَمْ يَرَوْا) أي: قد رأى أهل مكة هلاكهم في الدنيا وأنهم إليهم لا يرجعون أحياء، فيخبرونهم أنهم بم أهلكوا في هذه الدنيا؟ وبماذا عذبوا فيها؟ فهلا يعتبرون وينظرون أنهم إنما أهلكوا بتكذيب الرسل فيرتدعوا عن ذلك.
(وَإِنْ كُلٌّ) يعني الأمم كلها، يقول - واللَّه أعلم -: وما كل إلا جميع لدينا محضرون في الآخرة.
أو يقول: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ) بالتكذيب للرسل من القرون أنهم إليهم لا يرجعون أبدًا حتى يوم القيامة، وهما واحد.
أو أن يكون ذلك يخرج على إبطال قول أهل التناسخ حيث قالوا: إن الأرواح إذا خرجت من أبدان قوم دخلت في أخرى، فيقول - واللَّه أعلم - ردّا عليهم: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ)؛ إذ لم ير روحًا، أخبر أنه خرج من جسد هذا ودخل في آخر.
أو أن يكون ذلك يخرج على نقض قول قوم وهو ما ذكر عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - أنه سئل فقيل: إن ناسًا يقولون: إن عليّا مبعوث قبل يوم القيامة، ثم قال: " بئس القوم نحن إذا كنا نكحنا نساءهم وقسمنا ميراثهم، ثم تلا: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ