وقوله: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: ما ينظرون إلا سنته في الأولين، وسنته في الأولين الاستئصال والإهلاك عند العناد والمكابرة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ما ينظرون بإيمانهم إلا سنة الأولين: الإيمان عند معاينتهم العذاب، وإن كان لا يقبل ولا ينفعهم ذلك؛ كقوله: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ. . .) الآية.
وقوله: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا).
هذا يحتمل وجوهًا:
أحدها: (لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ): وهي الاستئصال عند العناد والمكابرة (تَحْوِيلًا) وإن اختلفت جهة الهلاك والاستئصال؛ كقوله: (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ)، وقوله: (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)، لا شك أن نفس القول منهم مختلف في الكفر وسببه متفرق، ثم أخبر أن قول هَؤُلَاءِ ضاهى قول أُولَئِكَ، وشابهت قلوب بعض بعضا، وإن كان سبب ذلك وجهة الكفر مختلفًا؛ فعلى ذلك سنته لا تحول ولا تبدل وهي الاستئصال، وإن كان جهة ذلك وسببه مختلفًا.
والثاني: (فَلَن تَجدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ) التي سن فيهم وحكم مدفعًا ولا رادّا، أي: لن يجدوا إلى دفع ما سن فيهم وحكم من العذاب والهلاك دافعًا، ولا رادًّا؛ كقوله: (وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا).
والثالث: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ) وهي إيمانهم الذي يؤمنون عند معاينتهم العذاب وعند نزوله بهم (تَحْوِيلًا) و (تَبْدِيلًا)، أي: يؤمنون لا محالة ولكن لا ينفعهم ذلك في ذلك الوقت.
والرابع: أن كل سنة سنها في كل قوم وكل أمة وإن اختلفت، لن تجد لذلك تحويلا ولا تبديلا، واللَّه أعلم.
وقوله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)
هذا يخرج على وجوه:
أحدها: قد. ساروا في الأرض، ونظروا إلى ما حل بأُولَئِكَ بالتكذيب والعناد، لكن لم يتعظوا بهم، ولم ينفعهم ذلك.
والثاني: على الأمر: أن سيروا في الأرض، وانظروا ما الذي نزل بأُولَئِكَ؟ ومم نزل؟ واتعظوا بهم، وامتنعوا عن مثل صنيعهم.