التخفيف: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ).
وأما على قول أبي الهذيل فإنه يقول: إن العذاب قد يفتر عن أهل النار، ويصير بحال لو أراد اللَّه أن يزيد في عذابهم شيئًا ما قدر عليه، وكذلك يقول في لذات أهل الجنة: إنها تصير بحال وتبلغ مبلغًا لو أراد اللَّه أن يزيد لهم شيئًا منها ما قدر عليه، فظاهر الآية يكذبهم ويرد قولهم حيث قال: (وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا).
وقوله: (كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ): لنعمه وجاحد وحدانيته.
وقوله: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
قَالَ بَعْضُهُمْ: يصيحون فيها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الاصطراخ: الاستغاثة، أي: يستغيثون، واصطراخهم قولهم: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) يفزعون أولا إلى كبرائهم الذين اتبعوهم في الدنيا، يطلبون منهم دفع ما هم فيه من العذاب والتخفيف عنهم؛ حيث قالوا: (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ)، فأجابوا لهم: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ)، وقال في آية أخرى: قوله تعالى: (إِنَّا كُلٌّ فِيهَا. . .) الآية، فلما أيسوا وانقطع رجاؤهم بالفرج من عندهم فزعوا عند ذلك إلى خزنة جهنم حيث قالوا: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ.
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)، فلما أيسوا منهم وانقطع رجاؤهم، فزعوا إلى مالك يطلبون منه أن يسأل ربه؛ ليقضي عليهم بالموت حيث قال: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)، فلما أيسوا، سألوا ربهم الإخراج عنها؛ ليعملوا غير الذي عملوا حيث قالوا: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)، فاحتج عليهم: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) أي: أولم نعمركم فيها من العمر مثل العمر الذي يتعظ به من يتعط، فهلا اتعظتم فيه ما اتعظ من اتعظ فيه، وقد أعمرناكم مثل الذي أعمرنا أُولَئِكَ، أو كلام نحو هذا.
(وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: جاءكم الرسول وأنذركم هذا فقد كذبتموه.