وجميع الحيوان، على اختلاف جواهرهم وأصنافهم وغذائهم، حتى صار هو غذاء وحياة لهم وقياما به؛ ليعلم أن من ملك هذا وقدر توفيق هذا - على اختلاف ما ذكرنا من الجواهر والأغذية - وتدبيرَهُ، لا يعجزه إنشاء شيء لا من شيء، ولا يخفى عليه شيء، وفي ذلك دلالة البعث: أن من بلغت قدرته وتدبيره وعلمه هذا المبلغ لا يعجزه شيء ولا يخفى عليه شيء.
والثاني: أنه أنشأ ما ذكر من مختلف الأشياء والجواهر بهذا الماء، وجعله سببا لحياة ما ذكر من البشر والدواب وغيره، من غير أن يكون في ذلك الماء الذي أنشأ ذلك منه، وجعله سببا لحياتهم من أثر ذلك فيه أو من جنسه؛ ليعلم أنه لم يكن أنشأ هذه الأشياء بهذا الماء، ولا جعله سببًا لها على الاستعانة به والتقوية، بل إعلامًا للخلق أسباب مطالب الغذاء والفضل لهم؛ إذ لو كان على الاستعانة وجعله سببًا له في إنشاء ذلك، لكان يكون تلك الأشياء المنشأة مشاكلة للماء مشابهة له؛ دل أنه جعل ذلك سببا للخلق في الوصول إلى ما ذكرنا من الأغذية لهم من غير أن يروا أرزاقهم من تلك الأسباب والمكاسب ولكن من فضل اللَّه.
والثالث: أنشأ هذه الفواكه والثمرات مختلفة ألوانها وطعمها؛ لما علم من البشر من الملالة والسآمة من نوع واحد ولون واحد؛ ليتم نعمه عليهم ليتأدى بذلك الشكر عليها، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أنشأ الجبال أيضا مختلفة من بيض وحمر وغرابيب، كما أنشأ الثمرات والدواب والحيوان كلها مختلفة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذلك وصف، وصفها بالسواد للطرق التي أنشأها في الجبال ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كاختلاف الجبال والثمار، وكذلك: (وَغَرَابِيبُ) جمع غربيب، وهو الشديد السواد، يقال: أسود غربيب؛ وهو قول الْقُتَبِيّ وأبي عَوْسَجَةَ، ورجل غربيب الشعر، أي: أسود الشعر، ومأخذه من الغراب لأنه أسود، والجدد: الخطوط والطرائق في الجبال.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الجدة: الخطة، والجدد: جميع الخطوط، يقال: جددت،