معاصيه، فهَؤُلَاءِ سموا معصية اللَّه: عزا؛ لجهلهم في العز؛ وكذلك الثناء الحسن يجب أن يحمد ربه ويشكر له فيما يستر على الخلق فضائحه ومساوئه، حتى أثنوا عليه ما لو بدا ذلك منه وأظهر لهربوا منه فضلا أن يثنوا عليه ويحمدوه؛ فيجب أن يشكر ربه ويثني عليه على ستر معاصيه وفضائحه، واللَّه الموفق.
وقوله: (وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
الغرور - بفتح الغين - هو الشيطان؛ يقول: لا يغرنكم باللَّه الشيطان.
ثم يحتمل قوله: (بِاللَّهِ الْغَرُورُ) وجوهًا:
أحدها: (وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ) أي: بكرمه وجوده، يقول: إنه كريم وجواد غفور يتجاوز عنكم ويعفو عنكم معاصيكم ومساوئكم.
والثاني: (وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) أي: بغناه؛ يقول: إنه غني ما به حاجة إلى عبادتكم إياه، فيما أمركم به ونهاكم عنه.
والثالث: أن يكون قوله: (وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ) أي: لا يغرنكم عن طاعة اللَّه وعبادته فتعصوه، وذلك جائز في اللغة " الباء " مكان [" مِن "]؛ كقوله: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) أي: [منها]؛ إذ لا يشرب بالعين وإنما يشرب [منها]، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)
يذكر هذا - واللَّه أعلم - لأن ما يدعو الشيطان الخلق إليه في الظاهر يخرج مخرج الشفقة لهم والنصيحة كما يدعو الأولياء؛ لأنه يدعوهم إلى قضاء شهواتهم ولذاتهم وما تهوى به أنفسهم، وإن كان يضمر ويقصد به هلاكهم؛ ألا ترى أنه كيف أظهر لآدم وحواء من الشفقة لهم والنصيحة حيث قال: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ. . .) إلى قوله: (لَمِنَ النَّاصِحِينَ)، ونحوه، وكان قصده بذلك ما ذكر: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ. . .) الآية، هذا كان يضمر ويقصد في دعائه إياهما إلى التناول من تلك الشجرة التي نهاهما ربهما عنها؛ فعلى ذلك فيما يدعو الناس به إلى قضاء شهواتهم وحاجاتهم في الظاهر، فهو يقصد بذلك هلاكهم لمخالفتهم المولى لا ما يظهر ويبدي لهم؛ لذلك قال: إنه عدو لكم ليس بولي، (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، أي: كونوا من دعائه وأمره على حذر، كما يحذر المرء دعاء عدوه.
(إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أهل طاعته.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ: حزبه: أنصاره، والحزب: الأنصار.