الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا) كله على اختلاف الألفاظ عبارة عن الخلق، أي: خلاق ذلك كله.
وأصل الخلق في اللغة هو التقدير، خلقت، أي: قدرت؛ وكذلك قال الكسائي: إن الفطر في كلام العرب هو الشق، معناه: أنه شق من السماء ست سماوات ومن الأرض مثلهن، ومنه الحديث: " حتى تفطرت قدماه دمًا ".
وقوله: (جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا).
ففي ظاهر الآية: أنه جعل جميع الملائكة رسلا، فإن كان على ذلك فكأنه ولَّى كل واحد منهم أمرًا من أمور الخلق والعباد، وإن كان على البعض فيكون تأويله: جاعل من الملائكة رسلا أو في الملائكة رسلا.
ثم أخبر عن الملائكة: أنهم أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع يطيرون بها، ليس كالطيور التي تطير بجناحين لو زيد لها جناح أو جناحان يمنعها عن الطيران، كالأصبع الزائدة لبني آدم تمنعهم عن بعض العمل، ولا تزيد لهم نفعًا بل تنقص، وأمَّا ما ذكر من عدد الأجنحة للملائكة فذلك لا يمنعهم عن الطيران، بل زيد لهم قوة ومقدرة على ذلك.
ثم قال: (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: يزيد في الملائكة على أربعة أجنحة ما يشاء (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) من خلق الأجشة في الزيادة (قَدِيرٌ).
وذكر أن لإسرافيل ستة أجنحة، ولجبريل ستمائة جناح، ذكر عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - يقول: " أري رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - جبريل، وله ستمائة جناح ".
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) أي: الصوت الحسن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الشعر الحسن.
فهو فيما ذكروا من الزيادة في الأجنحة أشبه وأقرب. (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ): من الزيادة والابتداء، ولا يصعب عليه.
وقوله: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
عن ابن عَبَّاسٍ: من عافية.
وقال قتادة: أي: من خير.
وقال مقاتل وغيره: أي: من رزق؛ كقوله: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ)