وإن كان على الأول: فالنهي عن اتباع ما طلبوا منه من رفض آلهتهم والعبادة لها.
وبعضهم يقولون: إن أهل مكة نحو: شيبة بن ربيعة وهَؤُلَاءِ قالوا له: إنا نعطيك يا مُحَمَّد كذا كذا من المال، ونزوجك كذا كذا امرأة كثيرة المال؛ فارفضنا وآلهتنا؛ وإلا قتلك المنافقون: فلان وفلان، عذوا نفرًا؛ فأنزل اللَّه - تعالى - الآية في ذلك بالنهي عن اتباع ما طلبوا منه ودعوه إليه، وأمره بالتوكل على اللَّه في ترك الاتباع لهم.
وأصله ما ذكرنا: أن النهي - وإن كان له خاصة - فيما ذكر فهو - وإن كان معصومًا - فالعصمة لا تمنع الأمر والنهي؛ بل العصمة إنما تنفع إذا كان ثمة نهي وأمر؛ إذ لولا النهي والأمر لكان لا معنى للعصمة ولا منفعة لها، واللَّه أعلم.
وقوله: (اتَّقِ اللَّهَ): في ترك تبليغ الرسالة إليهم، (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) في اتباع ما دعوك إليه وطلبوا منك، أو في غيره.
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).
(عَلِيمًا) وبما كان ويكون منهم، أي: على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد عليك بعثك، لا على جهل، (حَكِيمًا): في ذلك، أي: بعثه إياك إليهم، على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد، لا يخرجه عن الحكمة، ليس كملوك الأرض: إذا أرسل بعضهم إلى بعض رسالات وهدايا، على علم من المرسل أن المبعوث إليه يرد الرسالة والهدية يكون سفهًا؛ لأنهم يبعثون ويرسلون لحاجة أنفسهم، أعني: أنفس المرسلين، فإذا أرسلوا على علم منهم بالرد والتكذيب كان ذلك سفهًا خارجًا عن الحكمة.
فأما اللَّه - سبحانه - إنما يرسل الرسل ويبعثهم لمنفعة أنفسهم وحاجتهم، فعلمه بالرد والتكذيب لا يخرجه عن الحكمة.
وقوله - تعالى -: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)
هذا يحتمل الخصوص له على ما ذكرنا، ويحتمل العموم على ما ذكرنا في آية أخرى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يدل على ذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا): خاطب به الكل - واللَّه أعلم - وهو ما ذكرنا أنه على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد.
وقوله: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)
أي: اعتمد على اللَّه في تبليغ الرسالة، ولا تخف أذاهم.