وقوله: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
يحتمل الزكاة المفروضة.
ويحتمل ينفقون صدقهَ التطوع.
وجائز أن يكون قوله: ومما رزقناهم من الأسباب السليمة ينفقون، أي: يعملون، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
ذكر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " قال ربكم: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر " هذا علم النفس أنها لا تعلم إلا مثال ما أحست وعاينت وشاهدت، فأما العقل فإنه جائز أن يعلم ويخطر ما لم ير ويحس ولم ير له مثالا، واللَّه أعلم.
وعلى قول المعتزلة: يدعون ربهم أمنا وإياسا لا على الخوف والطمع على ما ذكر؛ لأنهم لا يخلو إما أن يكونوا أصحاب الصغائر، أو أصحاب الكبائر؛ فإن كانوا أصحاب الصغائر فهم آمنون على قولهم؛ لأنه لا يسع له أن يعذب على الصغيرة على قولهم، أو أصحاب الكبائر فهم آيسون من رحمته؛ إذ لا يسع له أن يغفر الكبائر على قولهم؛ فقولهم مخالف لظاهر الآية.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ)، أي: لا يضعونها بالأرض؛ يقال: تجافى جنبي: إذا لم يضطجع لم ينم، وجافيت جنبي، أي: لم ألزقه بالأرض. وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (تَتَجَافَى)، أي: ترتفع عن الأرض. ونزلا من النزل، والنزل: ما يجعل للرجل يأكله وينفقه.
وقوله: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)
إن أهل التأويل يقولون: نزلت الآية في شأن علي بن أبي طالب، والوليد بن عقبة بن أبي معيط: كان بينه وبين علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كلام وتنازع، حتى قال له علي: إنك فاسق وأنا مؤمن، فنزلت الآية فيهم، لكن الآية في جميع المؤمنين والفاسقين، يخبر أن ليس بينهم استواء.