وقوله: (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُ).
قال بعض أهل التأويل: (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)، يقول: يصعد الملك إليه في يوم واحد من أيام الدنيا، كان مقدار ذلك اليوم، (أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)، أنتم؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام؛ فينزل مسيرة خمسمائة عام، ويصعد خمسمائة عام، وذلك مقدار مسيرة ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا.
وذكر في موضع آخر: (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)؛ فجائز أن يكون ذلك وصف يوم القيامة؛ فيخرج ذلك لا على التحديد والتقدير؛ ولكن على التعظيم لذلك اليوم، والوصف له بما يعظم في قلوب الخلق، وهو ما وصفه بالعظمة؛ كقوله: (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ).
أو أن يكون التحديدان والتقديران كانا حقيقة؛ لاختلاف أحواله وأوقاته، على اختلاف الأمور، يكون ألف سنة كما ذكر في حال ووقت لأمر، وخمسين ألف سنة بحال أخرى لأمور أخر؛ على ما سمى ذلك اليوم مرة: يوم الجمع، ومرة: يوم التفريق، ويوم الفصل، ويوم الحساب، ويوم البعث، ونحوه، ومعلوم أن ذلك اليوم من أوله إلى آخره ليس بيوم الجمع، ولا بيوم الافتراق، ولا يوم الحساب ولا يوم البعث؛ ولكن أسماه، بجميع ذلك كله؛ لاختلاف الأحوال والأوقات لأمور مختلفة؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون الأول كذلك، واللَّه أعلم.
ويكون قوله: (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)، أي: يصير إليه ذلك؛ كقوله: (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)، ونحوه.
وقوله: (يَعْرُجُ إِلَيْهِ)، أي: يصعد في قول الْقُتَبِيّ وأبي عَوْسَجَةَ، ويعرج: أي: احتبس.
وقوله: (ذَلِكَ ... (6)
أي: هذا الذي صنع ما ذكر من هذه الأشياء.
(ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ).
يحتمل هذا وجوهًا:
عالم ما غاب عن الخلق والشهادة: وعالم ما يشهدون ويعلنون.
أو عالم ما يكون ويحدث، والشهادة: ما قد كان ومضى.