وحرمانه، بالأسباب الخارجة عن تقديرهم وتدييرهم وبغير أسباب لقادر على إحياء الأشياء الخارجة عن تقدير قدرتهم وتدبيرهم، واللَّه أعلم.
وأما وجه الاحتجاج عليهم بعبادتهم غير اللَّه، فهو أن في ذلك تناقض، وذلك أنهم قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، و (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ)، وكانت لا تشفع لهم في الدنيا، ولا تقربهم الزلفى فيها في التوسيع والبسط ودفع الضيق، وفي الآخرة لا يحتمل؛ لأنهم كانوا لا يؤمنون، فهو متناقض وسفه وسرف في القول.
وهذه الآية وغيرها من الآيات تنقض على المعتزلة؛ لأنهم لا يجعلون لله في مكاسب الخلق وحرفهم وتجاراتهم وجميع أسبابهم التي بها يرتزقون ويتعيشون صنعا، وإنَّمَا يجعلون ذلك في الخارج من الأرض وغيرها، فالناس في ذلك، وتضيق إذا لم يكن له في تلك الأسباب والمكاسب صنع؛ فدل أن له في ذلك صنعًا حتى يقع منه البسط والتوسيع والتضييق والتقتير، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يحتمل وجهين:
أحدهما: ما ذكرنا: يكون للمؤمنين في ذلك آيات على الكفار.
والثاني: لقوم ينتفعون بإيمانهم، والمؤمنون هم المنتفعون بها، فأما من كفر بها فلا ينتفع.
وجائز أن يكون في ذلك العبرة من وجه آخر لقوم يؤمنون، وهو ألا يعلقوا قلوبهم في الرزق بالأسباب التي يكتسبون بها ولكن يرون الرزق من اللَّه أنه يرزق بأسباب وبغير أسباب. أو يذكر هذا لهم على أن من رفع الحاجة إلى آخر، فلم يقضها: أن يرى حرمانها من اللَّه، لا من ذلك الرجل.
وقوله: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)
يحتمل قوله: (حَقَّهُ) أي: حاجته، لا على حق كان له، كقوله: (مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ)، أي: من حاجة؛ إذ معلوم أنه لم يكن لهم في بناته حق، ولكن أرادوا بالحق الحاجة، فعلى ذلك الأول، وكذلك قوله: (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ): أي: سد المسكين حاجته ومسكنته، وكذلك ابن السبيل.
ويحتمل قوله: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ): الحق الذي كان لهم، لكن لم يبين ذلك الحق