من الخصب، والسَّعة، والنعم التي أَنزلهما اللَّه - تعالى - فيها، وأَباح لهما التناول مما فيه.
ثم اختلف في وسوسة الشيطان لآدم وحواءَ - عليهما السلام - فيم كان؟ ومن أَين كان؟ ولماذا كان؟.
قيل: إنه كان في السماء، فوسوس إليهما من رأْس الحيَّة؛ حسدًا منه لما رآهما يتقَلبان في نعم اللَّه، ويتنعمان فيه، فاشتد ذلك عليه.
وقيل: إنه كان في الدنيا فوسوس لهما من بُعدٍ، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في الشيطان: أَله سلطان على القلوب؟ أَو يوسوس في صدورهم من بُعد؟
فقَالَ بَعْضُهُمْ: له سلطان على القلب؛ على ما جاءَ أَنه يجري في الإنسان بين الجلد واللحم مجرى الدم.
وقيل: إنه لا سلطان له على القلوب، ولكنه يَقْذف فيهم من البعد، ويدعوهم إلى الشر بآثار ترى في الإنسان من الأحوال؛ من حال الخير والشر، وكأن تلك الأحوال ظاهرة من أَثر الخير والشر.
فإذا رأَي ذلك فعند ذلك يوسوس، ويدعوه إلى الشر. وعلى ذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) أخبر أنه لا سلطان له علينا سوى الدعاء لنا وهو لا يشبه، واللَّه أَعلم.
ثم قيل فيمن عصى ربه: أَليس قد أَطاع الشيطان؟
قيل: بلى. .
فَإِنْ قِيلَ: فإذا أَطاع أَلَا يكفر؟
قيل: لا؛ لأَنه ليس يقصد قصد طاعة الشيطان، وإنما يكفر بقصد طاعة الشيطان، وإن كان في عصيان الرب طاعته.
وكذلك رُويَ عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل عن ذلك فأَجاب بمثل هذا الجواب.
والأَصل: أَن الفعل الذي يُبْلى له ليس هو لنفسه فعل الطاعة للشيطان ليصير به مطيعًا، إنما يجعله طاعة القصد بأَن يجعلَه طاعة له، وقد زال، وإن سُرَّ هو به وفرح كما سُرَّ بزوال السرور عنهما واللذة، وإن كان ذلك بفعل من لا يجوز وصف من فعل ذلك بطاعة الشيطان، ولا قوة إلا باللَّه.