أحدها: ما قال أهل التأويل على التقديم والتأخير: فله منها خير، ومعناه: أن ما يكون له في الآخرة من الخير؛ إنما يكون بتلك الحسنة التي جاء بها في الدنيا وهي التوحيد.
والثاني: قوله: (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) أي: ما أعطوا في الآخرة من الخير والثواب خير مما يعطون في الدنيا بصبرهم، وحبسهم أنفسهم عن شهواتها وأمانيها.
والثالث: (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) أي: ثواب اللَّه وما أكرموا به خير مما عملوا في الدنيا.
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ والرابع: أن توفيقه إياهم وإرشاده خير مما عملوا.
أو أن يكون ذكر اللَّه وحمده خير مما ذكر؛ كقوله: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ).
وقوله: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ): قالوا جميعًا: السيئة: هي الشرك، (فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا)، هو التخليد في النار أبدًا، (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ): فيما يجزون بها بل ظلموا أنفسهم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
وقوله: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ): اختلف في قوله: (فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ)؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: (فَرَضَ) أي: نزل عليك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: فرض عليك العمل بالقرآن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: فرض تبليغ ما أنزل عليك من القرآن والرسالة إلى الناس.
واختلف أيضًا في قوله: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ): قَالَ بَعْضُهُمْ: إلى مكة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: المعاد: هو البعث والساعة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: المعاد: الجنة، ويقال: الموت؛ وكله البعث، والمعاد هو البعث في الظاهر.