وقوله: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) قال عامة أهل التأويل: إنه خرج على بغال شهب، ومعه كذا كذا من الجواري على كذا كذا بغال شهب عليهن من الثياب كذا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنه خرج على براذين كذا بيض مع كذا كذا غلمان وجواري، ونحو ما ذكروا.
لكنا لا ندري على أي زينة خرج؟ ولكنا نعلم أنه خرج على الزينة التي يخرج أمثاله من الملوك، ولا نفسر أنه كذا على كذا، وكذلك لا نفسر العلم؛ ذكر أنه أوتي له من المال والكنز أنه كان عنده كذا من العلم، واللَّه أعلم بذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) أي: أوتوا منافع العلم: لأنه قد يؤتى العلم ربما، ولا يؤتى من الانتفاع له به ما أوتي هَؤُلَاءِ؛ حيث قالوا لأُولَئِكَ: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) لم يكن من أُولَئِكَ إلا التمني أن يؤتوا مثل ما أوتي قارون، ثم نهاهم الذين أوتوا منافع العلم والانتفاع به عن ذلك التمني، فدل ذلك أن التمني لا يسع الاشتغال به والطلب؛ حيث قالوا لهم: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ).
اختلف في قوله: (وَلَا يُلَقَّاهَا) كيف ذكره بالتأنيث، وإنما تقدم له ذكر الثواب، فألا قال: (وما يلقاه)؛ لكن اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَا يُلَقَّاهَا) كناية عن تلك المقالة التي كانت من أُولَئِكَ الذين أوتوا العلم لأُولَئِكَ الذين يريدون الحياة الدنيا، أي: لا يلقى تلك المقالة التي قالوها لأُولَئِكَ إلا الصابرون.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا، ولكن ذلك كناية عن الأعمال، أي: ولا يلقى تلك الأعمال ولا يوفق إليها إلا الصابرون.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: (وَلَا يُلَقَّاهَا) أي: لا يوفق، ويقال: لا يرزق.
(الصَّابِرُونَ) يحتمل: المؤمنين أنفسهم؛ كقوله - تعالى -: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، وقوله: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي: آمنوا.
ويحتمل: الصابرون: الذين صبروا أنفسهم وحبسوها على أداء ما افترض اللَّه عليهم،