وقوله: (وَقَاسَمَهُمَا).
وقوله: (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ).
ولو كان نسيان الذكر لم يكونا ليغترا بالقسم والإغواء عن ذلك، ولا وُصِفا بأن استزلهما الشيطان ونحو ذلك.
فثبت أَنه كان نسيان تضييع، وذلك كقوله: (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)، وقوله: (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا)، وغير ذلك مما ذكر فيه النسيان ومعناه التضييع، سُمي به لما كان كل منسي متروكا، وترك اللازم تضييع، أو بما ينسى به ويغفل عما يحل به من نعمة اللَّه، فسمي به كما وصف ذنب المؤمن بجهالة الجهلة بما يحل به لا بجهله بحقيقة فعله.
أو سمي به من حيث لا يُقصد بذلك عصيانُ الرب أَو طاعة الشيطان.
وإلى ذلك يصرف بعض وجوه النسيان، لا حقيقته.
ومن يقول: بأنه كان على النسيان فهو يُخرِّج النسيان على وجوه:
أَحدها: أنه لكثرة ما كان بينه، وبين عدوه من التراجع اشتغل قلبه بوجوه الدفاع له، والفكر في الأَسباب التي بها نجاته، ويتخلص من مكائِده، حتى أَنساه ذلك ذكر العهد.
والسبب الذي يدفع الأَشياءَ عن الأَوهام في الشاهد كثرة الاشتغال، وإنَّمَا كان النسيان عدوا في الأُمور وسببًا للعفو؛ لأَنه لا يَخْرج الآخذ به عن الحكمة، وذلك معلوم في الشاهد، أن من أَقبل على أَمر، وأَخذ في تحفظه وتذكره عمل عليه ذلك، وإذا أحب ذلك مع الاشتغال بغيره من الأُمور صعب عليه، بل الغالب في مثله الخفاء.
وجائِز معاتبة آدم مع ذلك وتسميته عصيانا بأوجه:
أَحدها: أنه لم يكن امتُحن بأنواع مختلفة يتعذر عليه وجه الحفظ في ذلك.
وإِنَّمَا امتحن بالانتهاءِ عن شجرة واحدة بالإشارة إليها؛ فجائز ألا يُعذر في مثله.
وكذلك النسيان فيما يُعذر في الشاهد، إنما يُعذر في النوع الذي يُبْلى به، وتكثر به النوازل.
ألا ترى أنه يُعذر بالسلام في الصلاة، وترك التسمية في الذبيحة ونحو ذلك، ولا